الرأي

الهروب الكبير

أحمد بني قيس
من نافلة القول أن الحرب لا تسبب إلا الدمار في أي بلد تحل به وغالبا لا ينتج عنها انتصار طرف ذي قوة أو تحصيل مكسب ذي قيمة بل إن الواقع يقول إن الحرب هي عبارة فقط عن آلة تدمير شاملة لا تبقي ولا تذر دون أن تحقق مصلحة واضحة يمكن الإشارة إليها. ولعل أفضل مثال على ذلك الحرب الأمريكية ضد طالبان التي تمتلك قاعدة شعبية كبيرة تواليها وذلك ليس لأن الأمريكان شياطين وجماعة طالبان ملائكة، وإنما لضيق ذات اليد عند غالبيتهم بسبب ظروف تلك الحرب التي أملت عليهم سلوكيات معينة تسببت في تدمير بلدهم وفقد أقاربهم على يد الأمريكان وعلى يد طالبان معها فجعلهم هذا الحال وجعل غيرهم من الأفغان يكنون العداء الواضح والصريح لأمريكا تحديدا أكثر من غيرها بحكم أنها قوة أجنبية تسببت في الكثير من المآسي في بلادهم. إلا أن هذا العداء لأمريكا كما ذكرت لا يعني أن طالبان بريئة من معاناة ذلك الشعب فهي قد مارست عليه شتى أنواع التعذيب والتنكيل إبان حكمها لبلدهم أفغانستان الذي لم يدم طويلا بسبب ضيق الأفغان به إضافة إلى التدخل الأمريكي الذي ساعد في إبعاد طالبان عن الحكم فكانت النتيجة المؤلمة لهكذا وضع إيمان غالبية الشعب الأفغاني بأن مسؤولية ما آل إليه حالهم تقع على عاتق هاذين الطرفين الذين يؤمن الأفغان بأنهما كانا السبب الرئيس وراء كل ما عانوه من ويلات دامت لعقدين من الزمن. الجدير بالذكر أن السبب الأمريكي المعلن وراء تدخلها في أفغانستان كان للانتقام من تنظيم القاعدة الذي دبر ونفذ عملية إرهابية استهدفت برجي التجارة العالمي بمدينة نيويورك في 11/9/ 2001 م، حيث قررت الإدارة الامريكية في حينه الانتقام من كل من دبروا ذلك الهجوم، وكل من قاموا بتسهيل تنفيذه. وهذا تماما ما حدث فلقد تم تدمير معاقل ذلك التنظيم ومطاردته أينما ذهب وتم تصفية نسبة كبيرة من أفراده والقضاء على معظم قياداته، ولكنهم وبسذاجة تامة لم يكتفوا بذلك وإنما قرروا البقاء في أفغانستان بحجة أن الخطر على أمريكا لا زال موجودا بينما الواقع يقول بأن الهدف الحقيقي وراء ذلك يتعدى ما يعلنون عنه، حيث إن ملامح ذلك الهدف تبلورت في أمرين: أولا رغبة أمريكا في استغلال موارد ذلك البلد الضخمة، وثانيا جعل أفغانستان مركز عسكريا يوظفونه لخدمة مصالحهم المادية والسياسية في شرق هذا العالم إلا أن ما حدث في نهاية المطاف وبعد عشرين سنة قضتها القوات الأمريكية في ذلك البلد كان انسحاب تلك القوات من أفغانستان بشكل مفاجئ وسريع تسبب في خلق فرضية الخوف الجماعي عند غالبية أفراد القوات الأمريكية وهو أمر قابل للحدوث؛ لأن جميع المؤشرات الحالية تدلل على مدى صحة هذه الفرضية وأيد هذا المذهب الكثير من السياسيين والعسكريين داخل أمريكا وخارجها. وهذا الانسحاب غير المدروس يشبه إلى حد بعيد الانسحاب الأمريكي من حربها في فيتنام التي كانت نتيجتها الطبيعية والحتمية؛ هلاك الكثير من القوات الأمريكية وفشلها الذي تعودنا عليه في كل حرب تدخلها هذه الدولة منذ الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا كالحروب التي شنتها على العراق وكوريا وكوبا وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان. ختاما إن ما يجب أن تعلمه أمريكا أن عهد الحروب المباشرة والتقليدية قد ولى وزال نتيجة إثبات الواقع المعاش للعالم بأن هذا الأسلوب العسكري أصبح عديم الجدوى وأن السبيل الوحيد لحل القضايا العالقة في هذا العالم بين الأطراف المتنازعة يتمثل فقط في القضاء على المسببات الرئيسة التي تدفع المعتدي والمُعتَدى عليه إلى معاداة بعضهم البعض وهذا ليس تبريرا لأي حوادث إرهابية ترتكبها طالبان أو غيرها، وإنما هي مجرد محاولة لقراءة الواقع من قِبَل شخص محايد يتوقع أن الإصرار الأمريكي على الاستمرار في نهجها السلبي ستكون عواقبه حتما وخيمة وكارثية على جميع الأطراف المنخرطة في ذلك النزاع. ahmed_baniqais@