الرأي

تركي الحمد.. وعقدة الدين بالدولة

صالح العبدلي
لا زال الصراع يدور حول ذلك التساؤل الشائك الذي زاحم العالم بالسجالات حوله، وملأ كل من يخوض غماره من العقول والأفواه بالأخذ والرد، وأصبح جاذبا للأنظار، بين دعاة التأييد وجيوش السخط، رغم أقدمية صراعه، إلا أنه لا يزال فتيا طريا بين الطرفين، وهو الدين والدولة، وطريق الفصل بينهما أم مسلك دمجهما، ومع الأسف كل من يميل لطرف يتهم الآخر بالزندقة أو ينعته بالتشدد، وتظل البوصلة مفقودة بين كل ذلك السخط والصخب.

ذلك الأمر استوقفني بعد عدة تغريدات كتبها الدكتور تركي الحمد، يصف فيها أن الدين والدولة خطان متوازيان وأنهما حينما يجتمعان يأتيان بالكارثة، لكن هذا المنطق غير منطقي كونه أتى من شخص بحجمه، حيث إن هذا القول يردده بين فينة وأخرى بصيغ مختلفة، رغم جهلي عن دوافعه وأسبابه. وكأنه يؤكد لي مقولة ذلك الذي قال: مشكلة مستغربينا أنهم حفظوا أساليب الأجنبي، ولم يفهموا كيف يستخدمونها أو يضعونها في موضعها الصحيح... ومن ثم فشلوا في اختيار المنتج الحضاري المفيد، فاستعاروا لمجتمعاتهم منتجات قاتلة.

بعد متابعتي لفترة بسيطة حول ما يطرح الدكتور الحمد عبر حسابه في تويتر، لا ألتمس منه سوى سخط كبير من كل ما يحيط به، وربما هذا السخط كان ناتجا لدهشة وإعجاب للمجتمع الغربي، الذي جعله يفقد صوابه كلما ينظر لمرارة الواقع العربي والإسلامي، حتى أنه ربما جعل الدين الإسلامي أشبه بعقبة تحيل بين مجتمعنا وبين الوصول إلى ما وصلت إلى الأمة الغربية.

وهذا الأمر يدهشني أكثر -وربما- تغيب عنه عند كتابته لبعض مقالاته أو تغريداته، أن العالم الغربي استند كثيرا على الدين، بل كان جزء من تطوراته وتغيراته وقفزاته الدين أساس لها أيا كان مرجع ذلك الدين، ولأن الولايات المتحدة هي القطب الأبرز في القرن الماضي فسأكتفي بالاستشهاد بها.

فمن يتفحص الدولار الأمريكي -وأظن أن الدكتور تفحصه أكثر مني- يجد كلمة In god we trust، وهي العملة الرسمية للبلد الأكثر انفتاحا علمانية بل كانت الحرية أثناء تأسيسها عقدا ملزما للآباء المؤسسين، إلا أن ايزنهاور أدخلها مستعينا بها في الحرب الباردة على الشيوعية في خمسينيات القرن الماضي.

مثال آخر، كتب باراك أوباما كتابا أثناء ترشحه الأول للرئاسة وذكر فيه وأكد على مسيحيته رغم ديموقراطيته، وشدد على مسألة لم يتنبه لها الكثيرون، حيث قال: إن خطأ الحزب الديموقراطي تاريخيا أنه لم يولي الدين اهتماما رغم تدين الشعب، وكان من الخطأ ترك الدين للجمهوريين، حيث إن أول من أدخل الدين في الحملات الانتخابية الرئاسية هو الديموقراطي جيمي كارتر، وأتى رونالد ريغان الذي استغلها بطريقة مثالية لتكون بعد ذلك صبغة تميز الحزب بأكمله.

أخيرا، لا ينصب أي رئيس أمريكي -والدكتور أعرف- إلا بعد أداء القسم على الكتاب المقدس -عندهم- وهو دلالة على أن الدين لا يمكن فصله عن الدولة وسياستها بل هو يكاد أن يكون الإطار العام للممارسات والتوجهات التي تحذو نحوها الدولة، فالأيديولوجيات الطموحة التي تود أن تبني مجتمعا طوباويا أو دولة فاضلة، دوما انفتاحية على كل شيء، هي ليست إلا عقلا فارغا. كما وصفها برتراند راسل.

والشواهد على انصهار الدين في العملية السياسية عالميا كثيرة لا يمكن حصرها، بريطانيا قديما، واليهود وإيران حاليا، والكثير الكثير. ولا ننسى أن الشعوب بطبعها متدينة.

فالممارسات الخاطئة التي تنتهجها الجماعات التي تعتبر ذاتها «إسلامية» لا يمكن البناء على أعمالها، وتحميل الإسلام مالا يحتمل، وتأطيره بهذه الصورة المشوهة منه، فهو أسمى، وأرقى، وأعظم، فلا نجعل من فشل المنتسبين له ذريعة لمهاجمته.

كما أن نظرته للدين غير حقيقية، فهو يقتصر الدين فقط في المساجد والقلوب، وهذه النظرة مغلوطة تماما عن الدين الإسلامي خصوصا، فهو دين شامل لكل مفاصل الحياة، ففصله عن الدولة أشبه بفصل القلب عن الجسد، حيث سيصبح الأخير قطعة بالية لا فائدة منها.

قبل إقفال القوس، وليس تبريرا، نقدي هذا لا يلغي من الدكتور تركي الحمد، فهو شئنا أم أبينا يصنف مفكرا، ولست ضده لأرضي خصومه، ولا معه لأحصل منه تأييدا وتشجيعا، بل هي كما رأيت مغالطات شهدتها فعلقت عليها، ربما تكون حقيقية، وربما هو للصواب أقرب.

SalehAL3bdli@