الرأي

ملامح قيادية (1)

فهد عبدالله
عندما تتطلع على الثقافات المتعددة تجاه موضوع القيادة ستجد العشرات من المدارس المختلفة التي تتقاطع في بعض أطروحاتها وتختلف في البعض، ولا شك أن هذه التعددية في هذا الشأن مفيدة جدا كحال أي تعددية موجودة في جوانب أخرى، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، وهذا الاختلاف وغيره من الاختلافات البشرية نوع من الثروات التي أوجدها الله على الأرض (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين). سأذكر هنا عشرين ملمحا قياديا مقسما على مقالين، الضابط فيها أنها مستوحاة من الميدان وعصارة تجارب الاحتكاك مع القادة في ميادين شتى سواء في الحياة العملية أو الاجتماعية أو في شتى الإطارات المتنوعة.

1 - عقلية التضافر أو بما يعرف بعقلية الجميع يكسب (WIN -WIN)، أصدقكم القول ومن خلال الميدان ما وجدت قائدا يسعى بأن يكسب الجميع إلا وجدته يتصدر المشهد أداء وفعالية ومحبة، ويكفي في ذلك تصور حجم النوايا الطيبة من الآخرين ودعائهم وصلواتهم بأن يكون التوفيق حليف ذلك القائد التضافري.

2 - المبادئ والقيم وحضورها الدائم في كينونة القائد، وجودها ووضوحها واتساع تطبيقاتها دائما تكسب على المدى البعيد، وحتى لو كان في ظاهر تفعيلها في بعض الأحيان خسارة على المستوى القريب، وما أكثر المشاهد والتجارب التي حضرت فيها القيم والمبادئ رغم الانزعاج اللحظي في شكل التصرفات أو القرارات التي حضرت فيها وبعد فترة من الزمن ليست ببعيدة رفعنا العقال لها ولصاحبها.

3 - حالة التعلم المتسارعة، بالأمس وجدته يطرح رأيا وفي الغد أضاف له رأيا آخر وبعد شهر مدخلات متعددة تجاه نفس الموضوع، وهذه المدخلات يعرف ترتيب أهميتها وموضوعيتها، وكيف يمكن الجمع فيما بينها بما يحقق أفضل قرار ممكن يتخذ أو تطبيق يكون في الميدان، القائد الملهم لا يتوقف في طلب المعلومة حتى آخر نفس.

4 - يهتم كثيرا بجناحي الطائر الذي تتنقل به من هدف إلى آخر، الجناحان هما الإنتاجية والموظف، الاهتمام بهما هو من يجعل المؤسسة ترفرف بكل انسيابية تجاه تحقيق أهدافها، وجود خلل في أحد هذين الجانبين سيعوق أو يبطئ الحركة وسيجعل من الأعمال والمؤشرات وإن اكتملت وكأن فيها شيئا من النقص أو ستجعل من الموظف يعمل على قد الراتب كما يقال، وطبعا من باب أولى تدني مستوى الولاء.

5 - المرونة الفكرية، كثير من الأحيان يتصادف لدى القائد إيمان جازم ببعض القرارات لما لها من تصور واضح في داخله ومع ذلك لديه رحابة صدر متسعة لكل فكرة جديدة قد تناقض تلك الأفكار التي لديه، بالطبع القائد الملهم سيضع إشارة توقف لأفكاره الداخلية والانصات بتمعن للفكرة الجديدة وفهمها من جميع الزوايا المختلفة من أجل اختبار صوابيتها وتبنيها إذا كانت فعلا أكثر رجاحة من تلك الأفكار التي كان يتبناها.

6 - عند وجود قرارات جديدة هناك حضور دائم لسؤال ما هو الأثر الذي سيحدث على المستوى القريب والبعيد فضلا عن الربط الدائم لهذه القرارات بالتوجهات الاستراتيجية وفي ثنايا معطيات هذه القرارات تجد الحضور المتكرر لأسئلة ماذا ولماذا وكيف، بالتأكيد فإن هذا يعبر عن قدرة عالية على الربط والتحليل.

7 - التعبير عما في الداخل من قناعات وحتى لو كان ذلك معاكسا للتيار أو مخالفا للاتجاه وخاصة عندما تكون الحوارات مع المستويات الإدارية والقيادية العليا شريطة أن تغلف هذه الشفافية والصراحة المتناهية بقالب الأدب والاحترام وأناقة التحدث والتعليلات.

8 - يجمع بين صفتين متكاملتين تواضع جميل وقوة في الشخصية، في الأولى حول كيفية علاقاته وتعامله مع جميع الناس في كافة المستويات والأدوار، والأخرى قوة في الشخصية يمتلئ بها المكان الذي يكون فيه تضفي عليه ثقة في النفس تجعله يردد كلنا أبناء تسعة أشهر، وهاتان الصفتان واجتماعهما يمنع بإذن الله آفة الغرور والكبر.

9 - أحد أهم الملامح القيادية هي إرادة ترك الأثر الإيجابي في المكان الذي يكون فيه سواء كان ذلك مرتبطا بأدوار ومسؤوليات رسمية أو غير ذلك؛ لأنه ممتلئ بتلك المعاني السامية التي لا يتوقف اتساعها عند حدود المسؤوليات.

10 - يتقن فن التوازن في جميع الأدوار الحياتية وحتى وأن طغى جانب على آخر تجده سريعا في إعادة ترميم معادلة التوازن لمعرفته التامة بأن استمرارية التألق وصناعة الأثر مرتبطة بإتقان هذه المهارة. يتبع في المقال القادم....

@fahdabdullahz