الرأي

نبذة عن تاريخ طالبان

صالح العبدلي
عاد بركان أفغانستان يكرر ثورته مرة أخرى، بعد هدوء طال صمته في عقدنا الأخير، عاد ليلهب العالم بصراخته، وحطامه، ومعاركه التي لا تنتهي، بين حروب دامية ضاع الحق فيها والتبس بها الباطل والحق، ليصبح المتلقي بين نقيض التعاطف والاتهام.

أفغانستان الدولة البائسة، حتم عليها القدر أن تكون من الدول الست عشرة التي تعاني من الجرد والجدب، حيث كونها القدر على شكل دولة حبيسة جغرافيا تعاني من الاختناق المائي، وحديقة خلفية يقام فيها ما تراه الدول الكبرى لتصفية حساباتها سياسيا.

وبين مخاض الفوضى والبحث عن ملاجئ الأمان في أفغانستان، تشكلت حركة طلابية يقودها الملا عمر عام 1996م تدعى «طالبان»، وهي بالأصل كلمة تعود إلى اللغة الباشتونية، ويشير معناها إلى كلمة «الطلاب».

هذه الحركة تكونت على أساس عقائدي لتحصد وتحشد التأييد والقبول الشعبوي، ولأن المنهجية والرؤية تنعدم عادت الحركة كأخواتها للتحول بذلك السلاح إلى قوة عسكرية، تشرع، وتسن، وتشن الحروب باسم الدين، ويكون فيها من الضحايا الذين يظنون أنهم ماتوا من أجل الله.

ولأن «اللاهوتيين» يرون أن الإسلام كتاب مغلق في أيديهم. كما وصفهم علي عزت بيجوفيتش، استطاع أولئك القادة أن يحللوا ما يريدونه وتتوق إليه أنفسهم، ويحرمون ما لا تشتهيه أفئدتهم في لي صريح وفاضح لمعظم المقاصد الشرعية، فحرموا الموسيقى، والتصوير، وحلق اللحى، لكنهم لم يقاوموا المخدرات اقتصاديا واستهلاكيا.

يذكر الصحفي المصري فهمي عويد موقفا غريبا عندما زار أفغانستان، والتقى بالقائم بأعمال مجلس مكافحة المخدرات الملا فدا محمد رحماني، حينما سأله عن موقف حكومة طالبان من الحشيش والأفيون، ذكر له: إن الحكومة تفرق بين زراعة الحشيش والأفيون، حيث تمنع تداول الحشيش وزراعته، وتبيح زراعة الأفيون كون علماؤهم لم يجدوا دليلا لتحريمه.

ذلك الأمر أدهش -آنذاك- الصحفي تركي الدخيل حينما زار أفغانستان، ورأى اللحى تتعاطى وتتداول ذلك.

هذا الشكل الممسوخ فكريا لم يتكون إلا عندما كانت أرضية المنطلقات هشة تعتمد في أساسها على الحفظ والتكرار، فتسارعوا إلى إصدار الفتاوى وظنوا بذلك أنهم حازوا على جلباب العلماء، في ظل غياب تام لدور الفقه والفهم في عقولهم، وتناسي الواقع وطريقة التعامل معه، هذا الأمر جعل معظم سهام الإدانة الدولية تسلط عليهم، وتذكرنا بخطورة نصف العالم الذي لا يليق بالسياسة والحكم.

قبل إقفال القوس، إنسانيا، لا يهمني إلى أي كفة يميل كرسي السلطة، لكن يهمني ويؤلمني رؤية أولئك الهاربين من الموت البطيء إلى التعلق بالطائرة بحثا عن النجاة المعلبة بالموت السريع.

SalehAL3bdli@