الرأي

أمناء البلديات: الحس الفني متطلب سابق

عبدالله الأعرج
لا يكاد يمر يوم في وسائل الاتصال والتواصل دون أن يتخلله حديث وربما نقد حول مكون من مكونات العمل البلدي (بنى تحتية، بنى فوقية، مشهد عام، أفكار إبداعية، محاكاة لنماذج معينة، خدمات بشكل ما).

هذا التكرار في الحديث عن العمل البلدي لا يجب أن يمر دون تأمل في الرابط الكبير الذي يجمع هذه الممارسات النقدية والتي بدت لي في المجمل متمحورة حول عنصر (الذائقة الفنية) في الأداء.

ومع تفهمي لاختلاف ذوائق البشر الجمالية والفنية وعدم وجود النموذج المتفق عليه بينهم، إلا أنني لا أستطيع بتاتا تفهم غياب الجمال الذي يظهر في بعض الأعمال البلدية والذي يتفق عليه طبقة لا يستهان بها من المستفيدين من تلك الخدمات.

مثلا، لا يمكن بحال تجاوز نقد الناس لشوارع بلا أرصفة، وأشجار يابسة ومترنحة وغير مشذبة، وأسلاك كهرباء متدلية تترصد بالمارة والمتنزهين على حد سواء، وندرة لوحات إرشادية مهمة، وبناء منازل بعشوائية ملفتة، ومصبات وتصاريف مياه تقتنص السيارات والحركة المرورية، وأشكال جمالية في واقعها تشوه بصري، ولاند اسكيب عام غير متناسق، وأفكار بلدية لا تتناسب وطبوغرافيا المدينة أو الهجرة والقرية، ونباتات لا تصلح للزراعة ببعض المناطق بحكم تركيبها، وكونتورات (مناسيب) لا تتسق ومنحدرات المياه واتجاهاتها، بل وحدائق وممشى في أماكن عالية الخطورة أو مكتظة بالسكان أو فقيرة الخدمات المساندة من مواقف ومراكز تسوق ودورات مياه وغيرها.

كل هذه الندبات العملية والجمالية لا يمكن تجاوزها في ظل تمدد وازدهار علوم الهندسة البلدية المتعددة، ولا يمكن القبول بها في ظل ارتفاع ذائقة المستفيد الجمالية، ولا يمكن هضمها في ظل المبالغ المليارية الممنوحة بسخاء لصنع مشهد بلدي حضاري وعصري يتناسب قدرا وقدرة مع هذا العطاء.

ولكي أكون أكثر صراحة في هذا الشأن فإن كثيرا من مظاهر النقد للعمل البلدي مردها جمالي المنشأ والولادة بمعنى أن غياب الذائقة الفنية لدى بعض قيادات العمل البلدي الذين يذرعون الأرض مجيئا وروحة في طريقهم لمكاتبهم دون أن يعكر مزاجهم هذا التشوه هو السبب الحقيقي لهذا الاعتلال في العمل البلدي.

فكما أن الحداد يقلب صفيح الحديد عشرات المرات قبل أن يصادق على جماله، وكما أن النجار ينحت ويبري وينعم قطعة الخشب قبل أن يبعث بها للدهان، فإن أمناء البلديات والقيادات العليا في العمل البلدي يجب أن يحققوا ذات المرحلة من الإتقان قبل تولي هذا العمل الجمالي بامتياز!.

الآلية لتحقيق هذا الهدف المحوري ليست بصعبة ويمكن تحقيقها من خلال إجراء اختبارات عملية ونظرية حول القدرة الجمالية لدى ذلك المسؤول ووضعه في حالات دراسية قائمة تتطلب حلول جمالية وطلب رأيه في تحويلها إلى قطع فنية من جميع نواحي ومستويات العمل البلدي الجميل والجاذب، ثم يتم تقييم أفكار المسؤول بصرامة قبل أن يكلف بالعمل البلدي القيادي.

بمثل هذه الاختبارات الواقعية يمكن للعمل البلدي أن يشق طريقه بعينين إحداهما المعرفة العلمية التخصصية، والثانية الفنية الجمالية، وحينها سيتكامل الأداء وسننعم بعمل بلدي يتسق مع الأهداف الأساسية لهذا الجهاز الحيوي والشرياني، وهو إيجاد بيئة جميلة ذات خدمات راقية ينعم فيه الناس بجودة حياة وعيش رغيد.

dralaaraj@