الرأي

صيدلياتنا وما وراء الستار

حسن علي العمري
مهنة الصيدلة المنبثقة من علم يبحث خصائص العقاقير وعلومها والأدوية وتركيبها هي إحدى المهن الطبية ذات التقدير العالي لدى المجتمعات عبر التاريخ، برمزها الشهير الذي يلتف فيه الثعبان على كأس من الأسفل للأعلى كرمزية معينة ذات دلالة.

في وطني الكبير تنتشر الصيدليات التجارية بشكل كبير في كل الشوارع والأحياء بشكل لا تخطئه العين حيثما يممت نظرك، وهو ما يعني رواج هذه المهنة التجارية وما يتم تسويقه فيها، في الآونة الأخيرة خرجت هذه التكتلات عن المفهوم المهني المفترض إلى مفاهيم تسويقية بحتة، وأصبحت تسوق لكل أدوات التجميل والنظافة ومتعلقات الأطفال بكل أصنافها وبعض التجهيزات الطبية، ونافست الأسواق المتخصصة بهذه الأنواع حتى أن البعض يتحدث عن أنها أضحت أماكن مفضلة لديهم للتسوق والتبضع، وعليه فقد تنامت أسعار محتوياتها لتفوق أسعار هذه المنتجات بالأضعاف مما أثار حفيظة العديد من المستهلكين، عندما تهرع لإحدى هذه الصيدليات للحصول على منتج دواء معين فلن تحار في رؤية ذلك وقد تجد من يسوق لك بعض المنتجات التي لا علاقة لها بطلبك الأصلي الذي أتيت لأجله، كما أن الأدوية ليست سوى واجهة للاستقطاب وتحتل واجهة الصيدلية فقط، بينما بقية الواجهات والمساحة الداخلية مخصصة لهذه البضائع.

نقطة أخرى مهمة تتمثل في سيطرة تكتل جنسية معينة على هذه المنافذ واتفاقهم فيما بينهم على منتجات معينة والتحكم في أسعارها بشكل يجعلها شبه موحدة مهما اختلفت مسميات مكان البيع النهائي للمستهلك، ومع عدم مصادفتي لأحد أبناء البلد يعمل في هذه المواقع إلا ما ندر سواء مالكا حقيقيا أو موظفا لدى المالك الأصلي أو الصوري، وهنا أطرح تساؤلات أراها جديرة بالإجابة: ماذا لو تم بحث مثل هذه المسألة بشكل واقعي وفق مقتضيات الأنظمة المرعية، فهل سنجد حالات تستر تجاري مركبة بين تستر مهين وتواطؤ مريع من البعض ممن كان أداة في يد غيره؟ وهل هناك كانتونات ظاهرة أو مستترة تعمل لإقصاء أبنائنا من هذه المهنة بشكل متعمد؟ وهل يمكن أن ينشأ عن هذا الانتشار الملفت للصيدليات حالات تتعلق بالإضرار باقتصاديات الدولة كجرائم غسل الأموال؟ وهل يمكن أن تكون مثل هذه التدفقات المالية مصدرا غير ظاهر من مصادر دعم الإرهاب أو تمويله؟ والأهم هل نتفق على أهمية إعادة الصيدلية لوضعها الحقيقي وبقائها في حدود اختصاصها ومهامها المرتبطة بالمهنة الطبية موضوعيا.

ومع يقيني التام أن مبدأ حرية التجارة متعارف عليه ومكفول إلى حد كبير لكنه ليس على إطلاقه، ولا يمكن القبول بأن يكون أو يفهم أن معناه أنهم دون رقابة أو متابعة دقيقة من جهات الاختصاص، خذ مثلا: المتأمل والمقارن بين أسعار الأدوية التي يمكن الحصول عليها من خلال منافذ التسويق الالكترونية يجدها تتضاعف في هذه الصيدليات إلى عدة أضعاف دونما سبب واضح أو معروف، ولن أتطرق للحديث عن مسألة هامة تتعلق بأماكن التخزين ومدى صلاحيتها وتأهيلها لذلك في ظل حاجة الغالب الأعم من الأدوية لمواصفات خاصة لذلك، وهل هي مستوفية لشروطها الخاصة أم أنها ليست بأحسن حال من أسعارها؟

لكل منا تجربته الخاصة في هكذا مجال وسيحدثك الكثير عن تجارب مختلفة ونظرة خاصة من زاوية ذات بعد آخر، لكننا في الغالب سنتوقف طويلا بحديث مسموع عند كل مساس بالسلامة والصحة العامة، فلم يعد غض النظر أو تجاوز مسألة تتعلق بهذا الشأن مما يمكن القفز عليه أو تجاهله، فالسكوت على الفاسد أو المخرب أو المخالف مشاركة له في فعله ومناقض لحق الوطن علينا ولمتطلبات المواطنة الحقة واجبة الالتزام والتضحية مهما كانت النتائج.

hass_qr@