الرأي

العمل عن بعد: ضرورة مؤقتة أم نموذج مستمر!

شاكر أبوطالب
في ذروة انتشار فيروس كورونا المستجد، وعدم توفر اللقاحات آنذاك، ظهر العمل من المنزل وسيلة مجدية لاستمرار العمل، وخيارا وحيدا للحد من تفشي الفيروس في التجمعات البشرية المهنية، حيث أظهرت المقارنة أنه كلما زادت فرص العمل عن بعد، ارتفعت احتمالية إبطاء انتقال العدوى.

ومع تجربة معظم الموظفين للعمل من خارج مكاتبهم أثناء جائحة (كوفيد-19)، وتجاوز التحديات الأمنية والتقنية والتنظيمية التي ظهرت في بدايات الأزمة، والنجاح في التكيف مع العمل عن بعد، والمحافظة على مستوى الإنتاجية؛ فما هو مصير نموذج العمل عن بعد؟ خاصة بعد زوال الجائحة أو اكتمال التحصين، هل سيستمر العمل بهذا النموذج؟ وهل سيكون بصيغة إجبارية وملزمة؟ أم سيكون خيارا استراتيجيا لأصحاب العمل واختياريا للموظفين الراغبين في ذلك؟

من الجانب القانوني؛ هل يحق للموظف أن يطالب بالعمل من المنزل؟ وهل يحق لصاحب العمل إجبار موظفيه على العمل عن بعد؟ وكيف يتم التعامل مع أوقات العمل والراحة؟ ومن يتحمل تكاليف العمل من المنزل؟ فبحسب معظم عقود العمل قبل الجائحة؛ فإنه لا يحق للموظف أن يعمل من المنزل إلا إذا كان منصوصا على ذلك في العقد. لأن الإجراءات الاحترازية الاستثنائية هي التي فرضت هذا النموذج على أصحاب العمل، حماية لصحة الموظفين في ظل عدم توفر بيئة العمل الآمنة.

ومع تفعيل العمل عن بعد، وجد بعض أصحاب العمل في بقاء الموظف في المنزل مسارا لتوفير النفقات وترشيد استهلاك الكهرباء والماء والأدوات المكتبية، وبعضهم الآخر وجد في العمل عن بعد وسيلة لرفع مستوى الرضا الوظيفي وزيادة حجم الإنتاجية، مع تباين نسب الإنتاجية باختلاف طبيعة العمل ومجاله.

لا شك أن الجائحة عززت العمل عن بعد، سواء التوسع في استخدامه أو اعتماده لأول مرة، خاصة مع المهن التي لا تتطلب وجود الموظف في مكتبه أو مقر عمله، ومع ملاحظة التحسن الملموس لمستوى جودة الحياة عند العمل عن بعد؛ فربما سيستمر هذا النموذج حتى بعد انتهاء الأزمة، ولو في إطار شروط معينة، مع ضرورة الانتباه إلى أن العمل عن بعد قد يتسبب في زيادة الضغط النفسي على الموظف.

ومع بدء خفض الإجراءات الاحترازية أو رفعها بصورة كاملة، ستبقى بعض معالم تجربة العمل عن بعد والتي طبقت على نطاق واسع وفي زمن وجيز، خاصة مع تنامي اتجاهات عالمية لاعتماد العمل عن بعد نموذجا دائما، أو على الأقل خيارا استراتيجيا لتسريع خطط التحول الرقمي، وتحسين ظروف العمل وجودة الحياة، وتحقيق التوازن الأفضل بين الأسرة والعمل، وزيادة الولاء والحماس لبيئة العمل، وتخفيف الضغط على بنية النقل ووسائله، والحد من الانبعاثات الناتجة عن استهلاك الوقود، وخفض التكاليف التشغيلية لبيئات العمل، وغير ذلك.

وعلى المدى البعيد؛ ربما ستؤثر الخبرة الحالية مع العمل عن بعد على نظام العمل وبيئته ونماذجه وأساليبه وإجراءاته، وربما تزداد الحصة المخصصة له، خاصة وأنه من غير المحتمل بعد زوال الجائحة أن تبقى مستويات العمل عن بعد كما كانت عليه في ذروة الجائحة.

ورغم تجربة أصحاب العمل والعاملين لمزايا العمل من المنزل؛ فإنه من غير المرجح التوسع السريع في نظام العمل عن بعد واعتماده فور انتهاء الأزمة، لوجود العديد من التحديات القانونية والاقتصادية والثقافية والمهنية، وضرورة الاستثمار بكثافة في تقنيات العمل عن بعد وحماية البيانات وأمن المعلومات، وإعادة النظر في نظام العمل بشكل كامل ليتضمن نموذج العمل عن بعد، وغيرها من الخطوات التي ستستغرق بضع سنوات على أقل تقدير.

shakerabutaleb@