البلد

تجار الدعاوى القضائية.. استفزاز يعقبه ابتزاز

صحيفة مكة
يستخدم البعض الحق المكفول لكل مواطن باللجوء للقضاء بطريق ملتو يهدف منه لجمع المال، سواء بالدعاوى الكيدية أو باستفزاز المجتمع بغريب القول والفعل أو بما يعلم أنه سيثير عاصفة من النقد والهجوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يرصد التغريدات التي تعرض فيها للسب والشتم والقذف والتكفير والتخوين، لاستخدامها كإثباتات لرفع دعاوى قضائية بموجب نظام الجرائم الالكترونية ومن ثم استخدام هذه الدعاوى لابتزاز المدعى عليهم ماليا مقابل تنازله عنها، مما يتطلب إجراءات نظامية تقنن سوء استغلال حق التقاضي من قبل هذه الفئة، وذلك بحسب القاضي السابق المحامي والمستشار القانوني الدكتور ياسر البلوي لـ«مكة».

وأكد البلوي أن الشريعة الإسلامية كفلت لكل شخص حق اللجوء إلى القضاء لإنصافه مما وقع عليه من ظلم أو اعتداء، الخصوم متساوون أمامه لا فرق بينهم لأي سبب، كما أن النظام الأساسي للحكم في المادة (47) أكد حق التقاضي للمواطنين والمقيمين فنصت على أن: (حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة، ويبين النظام الإجراءات اللازمة لذلك).

ومن المستقر عليه فقها وقضاء أنه لا يجوز لصاحب الحق أن يتجاوز ويتعسف في استعمال حقه على نحو يلحق ضررا بالغير، فدرء المفاسد أولى من جلب المنافع، وهذا المبدأ ينسحب على القضاء أيضا، فحق التقاضي كغيره من الحقوق يجب استعماله بطريقة مشروعة خالية من التعسف.

فاستعمال الشخص لحقه في اللجوء إلى القضاء - كما يشير القانونيون - ليس مطلقا وإنما هو مقيد بألا يكون استعماله لهذا الحق بطريقة غير مشروعة تلحق أضرارا بالغير كيدا ومضارة، لأنه ممنوع من التعسف في استعمال أي حق من الحقوق التي تثبت له. بقصد الإساءة أو الكيد أو مضايقة الخصم.

رقابة عدلية

وشدد البلوي على أن من صور سوء استعمال القضاء التي تحتاج إلى رقابة عدلية ومعالجة من مركز كفاءة الإنفاق لترشيد تدفق القضايا وتكاليفها الباهظة التي تتكلفها الأجهزة الحكومية والأفراد نتيجتها أن يتعمد شخص استفزاز المجتمع بالتغريدات أو المنشورات، فإذا وصلته ردود عنيفة رفع قضايا جرائم معلوماتية على عدد من المتجاوزين، ‏ثم قدر بعدها المقابل المالي للتنازل.

‏فأصبح يثري من عملية الاستفزاز، ويروق له تكرارها كلما أفلس من هذا الإثراء.

ونوه إلى أن مثل هذا الأسلوب من الاستفزاز وانتظار ردود الأفعال ثم استغلال الإساءات لرفع دعاوى لغرض ابتزازهم ماليا للتنازل، يستدعي من وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء ملاحظته وتقدير إجراءات لمنع سوء استخدام القضاء، ومنع تدفق القضايا المفتعلة، والإثراء من خلالها.

دعاوى كيدية

‏وأضاف البلوي بأن نسبة كبيرة من القضايا التي ترفع تصل لـ 40% عبارة عن ردود أفعال لنزوات وقتية أو صورية أو لأهداف الضغط على الطرف الآخر لتقديم تنازلات في قضية أخرى.

‏فهل نحن بحاجة إلى إجراءات تتخذ لمنع سوء استعمال القضاء وهدر الاستخدام لحق التقاضي؟ وقد عالجت تعليمات الحد من الشكوى الكيدية شيئا من آثار هذه الدعاوى إلا أن النظام بحاجة إلى تحديث لمواكبة المستجدات والتعويض عن آثارها بقواعد واضحة ومنصفة وعادلة للمتضررين.

ولذا ف‬التعويض عن أضرار التقاضي مشروع حاسم في الحد من ظاهرة سوء استعمال القضاء، ووزارة العدل توجهت أخيرا لتشكيل لجنة لدراسة آليات ومحددات ‫التعويض عن أضرار التقاضي حماية للحقوق، ‏وهي خطوة موفقة ستحد من تدفق القضايا وستمنع سوء استعمال القضاء، فمن تسبب في ضرر شخص أو وقف خدماته أو منع سفره عبر القضاء سيتحمل ‫التعويض للمتضرر.

وحسب ما نشر عن الوزارة فإنها أصدرت قرارا لمحاكم التنفيذ بعدم التنفيذ لممارسي التمويل غير النظاميين الذين يعملون دون تراخيص، في حال تقدمهم لتنفيذ أي مطالبات مالية بحق عملائهم، وإن كانوا يملكون شيكات أو كمبيالات تثبت أحقيتهم في تلك المبالغ.

إيقاف السندات

وتابع «لا شك أن إيقاف السندات التنفيذية للعمليات التمويلية غير المرخصة ضربة قاصمة لتجارة التمويل بالتقسيط غير المرخص، وهي تجارة ضخمة ومرتبط بها أنشطة اقتصادية وعقارية وخدماتية متعددة، والحكمة تقتضي تفعيل التبليغ عن التمويل المخالف لأنظمة التمويل والتدرج في وقف تنفيذها وتصحيح أوضاعها لتخفيف سلبياتها مع حفظ أصول المداينات والتدخل في جزئية الفوائد وحسم الجائر منها حتى تختفي هذه الظاهرة التي سكت عنها فترة طويلة».

تعويض مقنن

ويدخل مجلس الشورى على خط محاربة سوء استعمال القضاء، حيث تدرس اللجنة القضائية بـالمجلس مسودة مشروع مقترح لنظام التعويض في المملكة ويهدف لتعزيز دور قضاء التعويض‬ المقنن بشكل فاعل، إضافة إلى زيادة مستوى الوضوح والشفافية في الآلية النظامية للتعويض عن الفعل الضار لتحقيق العدالة في مجالات القضاء بما في ذلك مجال القضاء الطبي والتجاري.

وسبق للشوري أن ناقش مشروع ‫ نظام التكاليف القضائية‬ الذي‬ يهدف إلى الحد من سوء استعمال القضاء بتكليف الطرف الخاسر مصاريف مماطلته أداء الحقوق.