الرأي

غيبوبة المهن

عبدالله الأعرج
ما زال المشهد المحلي للمهن لدينا متواضعا جدا وهزيلا جدا مقارنة بما يأمله الوطن وما تطمح له رؤيته المبهرة من قيام هذه الدولة المباركة على أكتاف شبابه وشاباته المؤهلين لسد كل الاحتياجات المحلية من كل المهن المفترض توفرها في الحياة اليومية للإنسان في أي مكان وفي كل زمان! قصة بنائي لمنزلي أوقفتني طويلا ومليا وقدحت زناد عدد من التأملات العملية المجردة من أي عاطفة إلا العاطفة المحمودة وهي حب الوطن والمواطن والاجتهاد بلا كلل لتقديم كل ما أحسبه عنصرا مهما في مسيرته التنموية الحقيقية التي تنشدها قيادته الرشيدة وتبذل في سبيل الوصول إليها أنفس ما تملك من الحظوظ. منزلي لم أجد له مهنيا وطنيا واحدا ليشاركني قصة الحلم الذي بنيته وأسرتي على مدى سنين! أمهات الاحتياجات الأساسية من المهن غاب عنها العنصر الوطني تماما منذ بدأت مشروعي إلى أن اتكيت على أريكتي قبل أيام مثل: عمل الخرائط، الإشراف على التشييد، أعمال الحفر والتهيئة، أعمال الخرسانة والصب، الحدادة، النجارة، البناء بالبلوك، العزل، أعمال البلاط، أعمال الدهان، أعمال الجبس، السباكة، الكهرباء، أعمال التأثيث الداخلي والديكور من باركية وخزانات وأبواب وطلاء تجميلي، أعمال التنظيف بعد الانتهاء من العمل، أعمال اللوجستكس ونقل العفش، أعمال اللاند اسكيب من زراعة وتمديد شبكة الري وتصريف المياه ورصف الفناء وعمل ميولات الأرضية، أعمال التقنية والاتصالات من تركيب طبق استقبال القنوات ووضع الكاميرات وربط شبكة النت بالأجهزة! كل هذه المهن لم أجد لها مهنيا وطنيا واحدا ليجعلني أتحدث بصوت جهوري وفخور في المجالس وأقول: ما أروع ولدنا وهو يعمل بحرفية، وما أجمله وهو يسابق للذهب المهمل في السوق، وما أحلاه وهو يستشعر دوره في خلق مستقبل يليق بطموح هذا الوطن الذي سيزاحم الكبار بجميل صنائع شبابه. وبعد! لماذا غاب الشاب الوطني الذي يفتدي تراب أرضه بدمه عن هذا المشهد المهني المشرّف توجها؟ والمربح عائدا؟ والممتع أداء وإنجازا؟ غياب الشاب الوطني عن هذا الميدان لا يجب أن يترك دون استقصاء عميق يكون مسرحه الأسئلة التالية: هل الشاب الوطني فعلا مؤهل للعمل ومدرب جيدا للقيام بكفاءة بدوره المهني؟ هل ما زال الشاب يعاني من عقدة العيب بالرغم من أنه يعمل أحيانا في مهن لا يلزمها تأهيل مهاري متقدم دون الحديث عن ذلك الشعور؟ هل من المقبول أن ينتظر الوطن الطموح بلا حدود لسنين أخرى طويلة بانتظار شباب يسد احتياجاته المهنية؟ هل مستوى الشغف الذي يحرك عجلة التنمية ورؤية الوطن يتناسب كما وكيفا مع هذا الوضع المهني؟ هل سيبقى الوضع على ما هو عليه من حيث التدريب والتأهيل واعتبار أن كل هذه الغيبوبة المهنية أمرا مقبولا؟ أسئلة غاية في الأهمية، جديرة بالتأمل والبحث وبحاجة لقرارات وطنية من العيار الثقيل؛ فالأوطان تبنى بمكونها الصلب وهم شبابها وشاباتها، ولن أفرح بقمح جاري لأنه لن يصنع لي خبزة عشائي، والسلام. dralaaraj@