الرأي

الاعتذار عن أدب الاعتذار

عبدالحليم البراك
حدثني صاحبي الأثري المعاصر، عن مقدمة طويلة في أدب الاعتذار في الوقت الحاضر، فقال: إن للاعتذار في هذا العصر آدابا وشروطا تناسب حالنا السياسي والاقتصادي والثقافي الوضيع، فيجب أن لا يقل الاعتذار عن وضعنا وضاعة في المنزلية والتصرف. وأولى آداب الاعتذار وأهمها، أن لا تعتذر، فإن الاعتذار للأنقى قلوبا كالأطفال والنساء، والاعتذار ليس من شيم الرجال ذوي الشنبات، والبلطجية من قبضايات باب الحارة وبلطجية حارة الشيخ إطلاقا، فإن أخطأت -والخطأ منك غير وارد أصلا أيها الرجل - فلا تعتذر، فهذا نقص في الذكورة وقدح في الرجولة وخرم في المروءة إن كان ثمة مروءة، وإن ابتليت بالاعتذار فصار لا بد منه، فعليك بمقدمة تشتم بها صاحبك، وتؤكد على رأيك القديم، فسيفهم أن في داخلك تكبرا على الاعتذار ولا تكرر اعتذارك كي لا تجرح نفسك عدة مرات. وإن اعتذرت - ولا أظنك فاعلا - فابدأ بالثناء على نفسك وتقليل قيمة الآخر، وأنصحك باتهام الآخر بقلة الفهم في الكلام، فحتما العيب فيه وفي إدراكه للأمور وليس فيك، وإنما اعتذارك هذا (لترقيع) الأمور. وقل في اعتذارك بعض الكلمات التي تستفز غضبه لتختبر صبره مثل: أنت ما تفهم، وَيَا ثور، وإن كنت غاضبا مني بسبب ذاك الأمر؛ فاني لا أذكر أني قلت فيك شيئا مسيئا وهكذا.. من تلك الكلمات التي تنسف خطاب الاعتذار من أساسه وتزيد الطين بللا. وإن شعرت بأن صاحبك سيرضى من اعتذاراتك فأنصحك أن تبادره بالقطيعة، فقل له: لقد حذفت اسمك من تويتر وألغيتك من الفيس بوك، وحذفتك من دوائري في قوقل ومن قائمة الأصدقاء بل وحذفت رقم هاتفك من سجل هاتفي الجوال. وإن من أدب الاعتذار أن لا توسّط أحدا بينك وبين صاحبك خوفا من أن يُقبل اعتذارك. فربما صلحت الأمور وهذا عكس مرادك وخلاف غايتك. وأخيرا أخي (ناوي الاعتذار)، إن رأيت في هذه المقالة ما يفيدك ويدفعك للاعتذار؛ فلا تقرأها مرة أخرى، وإن قرأتها مرة أخرى فاعتبرها مقالة عابرة لا فائدة منها، وإن كنت قد اعتذرت من صاحبك فعلا، فاسحب اعتذارك، فلا أجمل من عدم الاعتذار فهذا من أدب الاعتذار. ملاحظة أخيرة: كاتب هذه المقالة يعتذر عن الإساءة لأدب الاعتذار.