الرأي

استرازينيكا.. وتجربة اتصالية جديدة!

صالح العبدلي
تسعى الشركات في مختلف المجالات إلى كسب ثقة العملاء، وتهتم كثيرا في إيصال شعور محدد عندما يتداول الناس اسمها، بل وتدفع الملايين من أجل ذلك، ولا يمكن أن يتم هذا الأمر بدون جهد منظم من قبل مختصين في مجال العلاقات العامة، بل ويزداد التحدي تعقيدا عندما يكون التوقيت يتقاطع مع أزمة، وليست أي أزمة بل أزمة عالمية ذات شكل جديد على العالم بأسره، هذا ما واجهته شركة «استرازينيكا» خلال الفترة الماضية.

بدأت «استرازينيكا» مهمتها في محاولات عديدة لإخراج العالم من الظلام الدامس الذي حل عليه، بتوجهات واضحة ورسالة سامية، وهي توفير اللقاح بأرخص الأثمان ليكون للعالم جميعا، وهكذا وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه «لقاح لكل العالم».

لكن هذه التوجه لم يؤت ثماره بسبب عدم وجود خطة استراتيجية اتصالية لإيصال تلك الرسالة، مما أفقد الشركة الكثير، وهنا يكمن درسان مهمان في الممارسة الاتصالية، حيث يجب على ممارس العلاقات العامة أن يكون دائما على أهبة الاستعداد وأن يصنع خطة استباقية لإدارة الأزمات، والدرس الآخر أن يسعى بكل جهد ممنهج لتوضيح الرسالة التي يعمل في ضوئها.

كما أن الإشكالية الأهم التي زادت الأمور تعقيدا على شركة اللقاح، هي آلية بث الأخبار وإصدار البيانات، حيث كان صوت الجهات والمنظمات الصحية الأخرى أعلى منها صوتا بل حتى إن بعضها تحدث بلسانها، على سبيل المثال الهيئة الرقابية البريطانية، وتضارب المعلومات بين كل تلك الجهات غياب وتأخر من قبل الشركة المسؤولة في ظهورها جعلها في موقف ضعف أثار الرأي العام وزاد من علامات الاستفهام حولها.

وفي نطاق أكبر كانت دول الاتحاد الأوروبي تمارس ضغوطا على الشركة، بعد عدم توفيرها لكميات كبيرة لها، حيث كان النصيب الأكبر من منتجها للمملكة المتحدة والكيان الصهيوني.

كل تلك الممارسات الاتصالية الداخلية وحتى الخارجية، أثرت سلبا على الصورة الذهنية لشركة «استرازينيكا»، وجعلت موثوقيتها تنعدم عند كثير من شعوب العالم، بل جعلتهم في دائرة الاتهام دوما، وأدخلتهم في دوامة الأزمات المزمنة، وهذا ما نلحظه بعد وفاة المذيعة البريطانية قبيل أيام.

هذه العاصفة التي واجهتها شركة اللقاح، هي نموذج واقعي لكل شركات العالم، وفيها الكثير من الدروس لممارسي العلاقات العامة، رغم تأثيرها السلبي على الشركة إلا أنها إيجابية في إثراء ساحة العلاقات العامة بتجربة نوعية جديدة ومختلفة من الصعب تكرارها.

قبل إقفال القوس، صحيح أن شركة «استرازينيكا» اتخذت خطوة في محاولة منها لتحسين صورتها التي تعرضت للتهشيم، وفك ارتباط اسم اللقاح بالشركة الأم، بعدما غيرت اسم لقاحها من «استرازينيكا» إلى «فاكسيفيريا» لكن الصدق: الشق أكبر من الرقعة!

SalehAL3bdli@