فضل اليقطين في الأولين والآخرين
تفاعل
الاحد / 19 / شوال / 1437 هـ - 01:45 - الاحد 24 يوليو 2016 01:45
للقرع (نبات اليقطين) عندي محبة خاصة ولا أدري متى بدأت.. وقد يكون لطريقة بعض الشعوب في الاحتفاء به وبموسمه وزراعته دور في ذلك، ولكن ما زلت لا أدري.. وإن كانت رائحته التي تفوح من الشمع في بعض المتاجر تنقلني إلى عوالم من الأنس والراحة وتدغدغ مشاعري كما تفتح شهيتي للشراء والطعام والموسيقى.
وأعرف أن لي مع القرع علاقة أقرب إلى الغرام والعشق ولا أخفيكم أن لونه وشكله ورائحته وكل ما ينتج منه أو عنه هي عندي في سويداء القلب، وهو يمثل جزءا من هواياتي واهتماماتي، وتصل هذه الاهتمامات بأصدقائي إلى درجة التندر بي!
ولا أنسى الدهشة يوم أن أحضرت للدكتور سعيد السريحي علبة شاي بنكهة القرع شربه بنية الشوربة كما قال، ولا أنسى صديقا آخر ضحك حتى مال على قفاه عندما علم أني تصورت سيلفي مع حبة قرع وجدتها في قسم الخضراوات مكتوب عليها بأحرف لاتينية اسمها بالإسبانية ولدهشتي أن الاسم كان (كلبوظة)!
وفي موقف قريب أسجله مع نبات اليقطين المبارك أن أكرمتني إحدى قريباتي قبل العيد بهدية رائعة نادرة وكانت عندي من هدايا الأهل المميزة؛ علبة فاخرة من مربى القرع التي تكرمت بعملها في بيتها، وقد تكون ابنة خالتي يحفظها الله من القلائل الذين يجيدون هذا العمل الذي يتجاوز جماله عندي جمال لوحة تكعيبية لبيكاسو أو تأثيرية للشيخ إدريس أو حتى سيريالية لسلفادور دالي، وليتكم تعلمون مدى فرحتي بهدية كهذه حتى أني اتصلت مرات ومرات أشكرها عليها، وذكرت ذلك أمام القاصي والداني ممن قابلت في رمضان والعيد.
أخذت العلبة في سيارتي وكنت في طريقي للسوق مع صديقي أرشد الذي وصل من هيوستن لقضاء أيام من رمضان في جدة وأداء العمرة والزيارة والعودة إلى أهله في أمريكا قبل العيد.
وفي طريقنا للسوق هالني أن لاحظت أرشد يتصبب عرقا وأن وجهه يتغير ويده ترتجف وفمه يبدو عليه الجفاف، وأدركني الخوف الشديد عندما طلب مني أرشد أن أتوقف عند أول بقالة لشراء تمر أو حلوى قائلا إنه يشعر بانخفاض شديد
في مستوى السكر، وهذا قد يؤدي به للإغماء في الدقائق القادمة.
كنت سمعت أذان العصر قبلها بدقائق ولكن توقفت مرتبكا عند أول دكان وكان مغلقا للصلاة شعرت لحظتها بالورطة المقبلة، وتخيلتني أحمله بين المستشفيات فاقدا الوعي بين الحياة والموت وأنا لا أعرف في الطب، وقليلا ما أعترف بالأطباء بل وكثيرا حتى ما أتجنبهم وإن كان أصدقائي وبعض أهلي منهم يحفظهم الله جميعا.
نسيت في ربكتي أني أحمل ترياقا نادرا لحالة صديقي أرشد نسيت مربى القرع وما أنسانيها إلا الشيطان.
سارعت بفتح العلبة وناولتها له ناسيا أننا في الشارع وفي نهار رمضان وأننا بالقرب من المسجد وفي هذا مخاطرة لا يعلم عواقبها إلا الرحمن الرحيم، ولكن فاجأني أرشد فبدلا من أن يدخل يده في العلبة ويتناول قطعة منها سألني هل معي شوكة أو سكينة أو ملعقة (استحى أدبا أن يدخل يده في العلبة) صحت فيه أن يا أرشد نحن في حالة طوارئ ولا وقت لهذه الكماليات، وقد بلغ مني الرعب مبلغا مزدوجا، فأنا أتخيله مغشيا عليه من انخفاض السكر في دمه كما تخيلت أن يقتادنا أحد المحتسبين بتهمة الإفطار والمجاهرة به في الشارع في نهار رمضان ولكن الله ستر.
وبعد أن ارتاح وعاد إلى أرشد رشده أبدى إعجابه بهذه المربى النادرة وقال لي: من أين لك هذه العلبة؟ قلت: هي من بنت خالتي، قال: اتصل بها فعسى أن نجد لديها مثلها، قلت: لا يا صديقي لا أجرؤ أن أتصل ولكن خذها مني، قال: لا آخذ هدية هي لك.
قلت: خذ نصفها، قال: لا أشاركك فيها ولكن هل يمكن أن تتصل بابنة
خالتك لتعرف منها الطريقة. قلت: لا يمكن فهي وإن كتبتها لك لن تقرأها أنت بالعربية، قال: ترجمها لي، قلت: لا أجيد ذلك.
أمتعني الحوار الذي أكد لي أن شغفي باليقطين له مبرراته كما له جمهوره الذي اكتشفته في إلحاح صديقي الذي عادت إليه الحياة بعد أن كادت تفارقه بفضل الله ثم بفضل نبات اليقطين الذي أنقذ سيدنا يونس عليه السلام قبل صديقي أرشد.
وفي المساء جلست إلى الحاسوب أسأله عن طريقة عمل مربى اليقطين فأجابت سيدة على اليوتيوب باللغة الإنجليزية، وكانت من أرمينيا، بتفاصيل قد تفي بحاجة صديقي الذي سارع بتوجيه رسالتي إلى زوجته قائلا: أصل هيوستن بعد يومين وأرجو أن تكون المربى جاهزة.
أضاف أرشد إلى حوارنا قائلا: من أعطاك هذا اليوتيوب، قلت: ابنة خالتي.
غفر الله لي هذه الكذبة البيضاء!