الرأي

قفزات مرتقبة في الدستور السعودي

شاهر النهاري
أصدرت هيئة كبار العلماء السعودية، 29 أبريل 2021، بيانا علقت فيه على بعض تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال حواره في برنامج «الليوان» مع الإعلامي عبدالله المديفر، بمناسبة مرور خمس سنوات على إطلاق رؤية السعودية 2030.

وأيد بيان الهيئة «تأكيد ولي العهد بأن دستور السعودية ومنهاجها الدائم هو كتاب الله وما صح عن رسوله، والذي يعتبر من الأسس والمرتكزات، التي قامت عليها الدولة السعودية».

وأضافت الهيئة أن الاعتدال، الذي تحدث عنه ولي العهد هو سياسة حكمنا الأصيلة، يستوي فيها القادة والشعب، وعلى ذلك مؤسسات الدولة وسياسات الحكم ومناهج التعليم، بوسطية تسهم في استقرار الوطن وتنميته، ومحاربة الإرهاب.

وتلك أمور دنيوية يستحب فيها التنظيم والوضوح والاعتدال والتقنين، حتى لا يختلف رأيان على حكم شرعي، أو حد من الحدود.

وكنا قد عاصرنا الفروق في أحكام المخدرات، والتي كانت تتباين العقوبات فيها باختلاف الظروف والقاضي، ما جعل الدولة توحد أحكام المخدرات الجديدة 1441هـ لتنص بوضوح: (يعاقب متعاطي المخدرات بالحبس ولمدة سنتين، ويعزر بنظر الحاكم الشرعي، ويبعد عن البلاد إذا كان أجنبيا، ولا تقام الدعوى العمومية ضد من يتقدم من تلقاء نفسه إلى العلاج).

اعتدال ووضوح في انتقاء الحكم من بين تدرج وتباين أطياف الأحكام الشرعية السابقة فيها، وهذا حقيقة ما نحتاجه في جميع حالات وأحكام التقاضي وتثبيتها في الدستور مفصلة لا يُختَلف عليها مستقبلا.

وكل حالة حياتية أو شرعية صغيرة أو كبيرة تستلزم دراستها على حدة، وتحديد النص الشرعي المثبت والأقرب للعدالة والمنطق، للاعتماد عليه في إقرار الحكم الموحد، وبما يستدعي إلغاء العمل بالنصوص الأخرى بشكل اجتهادي عصري.

وعند اكتمال هذا العمل العظيم لا بد أن نتحصل على كامل البنية الأساسية للدستور بالتفصيل، والتي لا تعود تقبل التأويل من قِبل مفت أو قاض يرى غير ذلك.

فعلا هذا ما يحتاجه الدستور السعودي، والأمثلة الخلافية عديدة وهي تحتاج لدراسة وضبط وتقنين، مثل قوانين السرقة وتدرجها، وشرب الخمر، والزنا، والتعديات اللفظية وجرائم إزهاق النفس وهتك الحقوق بأنواعها، مع إعادة النظر في أحكام الجلد وقطع اليد والرجم وعقوبة خيانة الوطن، والردة، وغيرها.

ترتيب وتحديث جميع الحدود والعقوبات، سيؤدي لتثبيت الحقوق الإنسانية للطفل والذكر والأنثى والمعاق ويجعل دستورنا أكثر صلابة وثباتا وتماشيا مع كافة مستجدات ومستلزمات العصر الحديث، وبالتوازي مع القوانين العالمية لحقوق الإنسان، ويؤكد على أننا وطن حرية وعدالة وسلام، ونظام حضاري واضح يسابق زمانه، ويحترم كينونته، ويجعلنا نباري الأمم بدستور مفصل مكتوب ثابت، وبتعمق ودقة في اختيار كل حكم مهما صغر، لبلوغ عظمة معاني الوطنية والمواطنة، والعلاقات السليمة المتساوية في حقوق الفرد وواجباته مع أسرته ومجتمعه ودولته.

القفزة عظيمة لو اكتملت، وهي تحتاج إلى لجنة خبراء علمية متعمقة في جميع ما وجد في التراث من نصوص قرآنية وروايات وأحاديث، بالإضافة للعلوم والمعارف الحديثة، والمرئيات العصرية الحقوقية الواضحة، التي تسمح لهم بسعة المنظور، والشجاعة التامة في انتقاء القرارات، والتي لا بد أن تواجه في بداياتها كثيرا من النقد والرفض، ولكن الزمن واليقين والثقة، والحجة الجلية ستنتصر حينما يصبح الدستور المنتقى أنموذجا ودليلا عصريا لعموم الدول المسلمة.

دستور وضوح ووسطية وعصرية، تعدل الأسس، ولا تديم الفروق والخروق.

shaheralnahari@