الرأي

قراءة الغموض التركي

في خامس انقلاب، جاء هذه المرة بطريقة غير مسبوقة لورود وسائل أكثر احترافية من ذي قبل من تطبيقات عديدة ساهمت بطريقة أو بأخرى لإظهار انقلاب مدبر له بدقة متناهية سواء من الانقلابيين الذين أسمتهم الحكومة بـ «الكيان الموازي» الذي يُتهم بأنه المدبر الرئيس المنتشر في كافة أنحاء الجمهورية وجهاتها الحكومية والخاصة بزعامة الداعية الإسلامي «فتح الله كولن» المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، أو صناعته من قِبل «إردوغان» «للانقلاب العكسي» فيما اصطلح عليه بـ»عمليات التطهير من الانقلاب الفاشل». إذ اللحظة الأولى كانت تظهر أن الجيش قد أطبق على أجهزة الدولة وبات هو المسيطر وأذاع البيان رقم 1 لاستلامه سلطة البلاد وتمكين الدولة من تطبيق العلمانية كما جاء بها «أتاتورك» بعد أن شوهت من الحكومة الحالية إلى أن ظهر فجأة ومن خلال تطبيق أيضا على إحدى القنوات التركية! إلا أنه في مكان آمن ويطلب من مناصريه النزول إلى الشوارع والميادين وإيقاف الانقلاب!؟ وبالفعل نزل الناس وتقاتل الأتراك فيما بينهم وسالت الدماء بفعل تلك الوسائل الإعلامية، وظهر مرة أخرى وبين حشد لا يعد في مطار إسطنبول، والانقلابيون هناك أيضا في المطار إذ سيطروا عليه من قبل!؟ ولم يصيبوه بأذى وكأن أولئك الانقلابيين افتراضيون «بوكيمون»! وبدأت عناصر الانقلاب في التراجع والأعجب من ذلك استسلامهم! والطائرات عادت إلى أماكنها وعادت الحكومة من خلال رئيسها بالتصريح من خلال القنوات بأن الانقلاب الفاشل انتهى، ويظهر الانقلاب لصالح فخامة الرئيس إردوغان ونسي الناس تركيا ذاتها، وأن الجيش على بعضه أصبح خائنا وكان سيؤدي إلى تطبيق العلمانية من جديد بيد أن رئيسها على غير ذلك لتطبيق الإسلام السياسي المتمثل بشعار رابعة ويوهم الناس بأن ذلك على الطريقة التركية واللعب على وتر الوطنية والشعب. فظهرت رسائل الواتس اب والتغريدات والهاشتاقات تهتف لأردوغان وأنه انتصر على الانقلاب الفاشل الذي يريد الإطاحة بالإسلام وهو حاميه، وكأن تركيا لم تكن إسلامية إلا به وستنتهي إسلاميتها بمغادرته. في المقابل يرى مراقبون أن الجيش قد صاغ تلك الحيلة والمكيدة ودبر لها وخطط ولكن يقظة الاستخبارات قد علمت ووعت تلك المكيدة ودبرت لها مكرا أعظم ليشهد العالم أجمع كيف باستطاعة الرئيس إردوغان كشف تلك المكيدة وإحباطها بل وجعلهم ينفذون جزءا ولو بسيطا من خطتهم التنفيذية وسرعان ما انقض عليهم قبل أن يفلت الوطن. لكن ما تزال هناك آراء وترهات سطحية وجاهلة بعيدة عن ذلك الاتزان تفسر ذلك الانقلاب بأنه مخطط له من قبل دول، واللعب على أن داعش لهم يد في ذلك وأن ميليشيات أخرى ستنتشر في أرجاء تركيا، ولولا أردوغان وإفشاله ذلك المخطط لكانت تركيا الآن ترزح في الويلات! وتناسوا أن تركيا بعلمانيتها مستمرة ويظهر ذلك جليا من خلال دستورها وجيشها الذي ظل وما يزال الأول في الدفاع عن مصالح الشعب وثرى الدولة، واللعب مع الشعب على وتر الشعوبية والإسلاموية ليس بجديد. فهل يا ترى انتصر الانقلاب العكسي لصالح فخامة الرئيس وحده والشعب استخدم كأداة برابعة الأردوغانية!؟ وهل يا ترى من العقل والمنطق تعديل الدستور الذي هو في صالح الوطن من نظام برلماني إلى رئاسي يمرر التعديل إلى شيء مخيف للشعب وبانقلاب افتراضي؟ أو يردد الشعب التركي كلمات الشاعر التونسي مازن الشريف «خذوا المناصب والمكاسب... لكن خلوا لي الوطن»؟