الحج.. الإعلام والقوة الناعمة المهدرة
الثلاثاء / 6 / شوال / 1442 هـ - 21:10 - الثلاثاء 18 مايو 2021 21:10
«الحج هو أحد أكبر التجمعات الدينية على وجه الأرض، ويشكل تحديا لوجستيا هائلا للحكومة السعودية للإشراف عليه كل عام».
«توفر المملكة للحجاج الرعاية الصحية وحافلات النقل، وكذلك الوجبات والوجبات الخفيفة والمياه على طول طرق الحج».
«بصفتها وصيا على مكة، أقدس مدينة في الإسلام؛ تتمتع المملكة العربية السعودية بمكانة استضافة الملايين من المسلمين كل عام وتتحمل مسؤولية الحفاظ على سلامتهم».
«يمثل الحج، الذي يجتذب أكثر من مليوني حاج، طقوسا رئيسية للمسلمين وتحديا لوجستيا هائلا للسلطات السعودية، مع حشود ضخمة تتكدس في الأماكن المقدسة الصغيرة نسبيا».
ما سبق؛ كان اقتباسات من تقارير صحف عالمية عن الحج، نشرت في صحف كبيرة مثل The New York Times و Washington Post و Daily Mail وغيرها. مصطلح «التحدي» الذي يصف تعامل المملكة مع موسم الحج كل عام؛ يكشف، إلى حد عميق، المعنى الحقيقي لإدارة وتأمين وخدمة تجمع لنحو ثلاثة ملايين شخص في بقعة صغيرة وخلال أيام قلائل.
منذ أعوام عديدة وأنا أشارك زملائي الصحفيين تغطية موسم الحج. هذه الهبة الإلهية كانت فرصة مهمة وملهمة في ذات الوقت؛ فالحج يشكل ميدانا رحبا لصناعة القصص الصحفية الرائعة، إضافة إلى أن التواجد في قلب هذا الحدث الكبير يتيح فرصة فريدة للاطلاع، عن كثب، على حجم الجهد المبذول لإنجاح هذا التحدي السنوي.
كنا نحمل حقائبنا، عدساتنا وأوراقنا، ونتجه إلى المقر المخصص للبعثات الصحفية في مشعر منى، نعيش مع تلك الحشود المكتظة من الحجاج، ونشاركهم روحانية الزمان والمكان، ونستسقي الرحمات ونحن نتجول سويا في مشاعر هذه العبادة العظيمة، على ذات الأثر النبوي الخالد.
كنت، وزملائي الصحفيين، نعمل على مدار الساعة لرصد كل التفاصيل، بدءا من يوميات الحجاج، قصصهم الشخصية والإنسانية، انطباعاتهم ومشاعرهم، إضافة إلى تفاصيل الجهود الجبارة المبذولة لخدمة الحجيج وتوفير كل ما ييسر عليهم أداء مناسكهم.
آلاف السعوديين الذين نذروا أنفسهم، في كل موسم، لهذا الواجب المقدس، لخدمة ملايين الحجاج من نحو 250 دولة بمختلف أعراقهم ولغاتهم وثقافاتهم، وبمستوياتهم المعرفية والإدراكية المختلفة.
قصص وتاريخ المكان وما شهده من عطاء مستمر، بتوسعات وخدمات نقل وبنى تحتية، بل وحتى مواجهة تلك البيئة الصحراوية القاسية بوسائل وتقنيات مختلفة لرحالة الحجاج وتيسير مهمتهم المقدسة.
رحلة المنتجات الغذائية والشخصية والصحية التي تتواجد في كل متر من المشاعر المقدسة، طوال أيام الحج، وتفيض عن حاجة ثلاثة ملايين شخص.
الجاهزية الطبية، بكوادرها البشرية والآلية، التي تتمكن من خدمة هذا العدد الهائل دون تعطل أو خطأ أو تأخير، ووفق خدمة في غاية الإتقان والحرفية، وقبل ذلك بمستوى إنساني نبيل يتعامل مع كل حاج باهتمام وحرص بالغ.
الجهود التي تقف خلف سلامة مواسم الحج من انتشار الأوبئة والأمراض، وقصة التعامل مع آلاف الأطنان من النفايات، والحفاظ على بيئة المكان خالية من التلوث.
القدرة الفريدة على الحفاظ على أمن وسلامة الحجاج وانسيابية تحركات هذه الأمواج البشرية بين المشاعر المقدسة المحصورة في بقعة صغيرة لا تتجاوز 33 كلم مربع.
كل ذلك لا يمثل إلا الفصل الأخير من موسم الحج، والذي يسبقه الاستعداد والتدريب وعمل الخطط، والتنسيق مع كل دولة لتيسير تسجيل واستقبال حجاجها، وتوعيتهم بإجراءات الصحة والسلامة، ثم جهود الاستقبال وخدمات الفحص والعلاج الطبي، وغيرها من الجهود التي أثق تماما بأن الكثير من السعوديين لا يعلمون عن كثير من تفاصيلها؛ عوضا عن العالم بأسره.
كانت موادنا الصحفية، قصصنا وصورنا؛ تتدفق بالعشرات كل يوم، محملة بكم معلوماتي ومعرفي هائل ومنوع، وتنتهي، بخطابها المحلي، على صفحات تموت سريعا قبل أن تتجاوز الحدود.
كان يمكن لذلك الزخم الصحفي، أن يشكل نافذة مذهلة تنقل للعالم تفاصيل تجربة نجاح تستحق الدراسة والتأمل، قصة التحدي الذي يمارسه نحو 350 ألف شخص، يمثلون 47 جهة حكومية سعودية، ويقدمون نحو 335 خدمة رئيسية للحجاج.
قصة الحج؛ لم تجد التوظيف الإعلامي الذي تستحقه، لتكون قوة ناعمة لبلادنا وإنسانها، تعكس مدى ما وصلنا له من تقدم، قبل أن تمنح العالم الإلهام والمعرفة لخدمة وإدارة الحشود، وما يتعلق بذلك من معارف أمنية وصحية وبيئية واقتصادية، والدروس المستفادة من هذه التجارب والخبرات.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي كانت تقوم بها وزارة الإعلام، والمؤسسات الصحفية والإعلامية المحلية، إلا أن ذلك لم يؤد النتيجة المرجوة، ويسهم في إيصال الصورة بأبعادها وتفاصيلها كما تستحق.
السعودية والسعوديون، حكومة وشعبا، لا يبتغون مما يقدمون لضيوف الرحمن إلا وجهه تعالى، وهذا لا يتعارض مع المصلحة التي يتيحها التوظيف الإعلامي لجهودهم، وما يثمر عنه من رافد من روافد رؤية 2030، وقبل ذلك نافذة معرفية يحتاجها العالم بأسره.
وباعتقادي، أول خطوة نحو تحقيق ذلك يجب أن تبدأ من خلال تغيير نمط العمل الإعلامي الذي كان سائدا، وأسلوب السرد التقليدي، والعمل على إعادة النظر في توظيف كل سطر من قصة الحج عبر تخطيط إعلامي مختلف، وبرؤية إبداعية بأفق وخطاب عالمي، وبأفكار وإنتاج يتسق مع معطيات العصر وذهنية المتلقي ونوافذ وتقنيات الإعلام الحديثة، على أن يكون ذلك عملا جماعيا بأسلوب احترافي مختلف.
agbalawi@
«توفر المملكة للحجاج الرعاية الصحية وحافلات النقل، وكذلك الوجبات والوجبات الخفيفة والمياه على طول طرق الحج».
«بصفتها وصيا على مكة، أقدس مدينة في الإسلام؛ تتمتع المملكة العربية السعودية بمكانة استضافة الملايين من المسلمين كل عام وتتحمل مسؤولية الحفاظ على سلامتهم».
«يمثل الحج، الذي يجتذب أكثر من مليوني حاج، طقوسا رئيسية للمسلمين وتحديا لوجستيا هائلا للسلطات السعودية، مع حشود ضخمة تتكدس في الأماكن المقدسة الصغيرة نسبيا».
ما سبق؛ كان اقتباسات من تقارير صحف عالمية عن الحج، نشرت في صحف كبيرة مثل The New York Times و Washington Post و Daily Mail وغيرها. مصطلح «التحدي» الذي يصف تعامل المملكة مع موسم الحج كل عام؛ يكشف، إلى حد عميق، المعنى الحقيقي لإدارة وتأمين وخدمة تجمع لنحو ثلاثة ملايين شخص في بقعة صغيرة وخلال أيام قلائل.
منذ أعوام عديدة وأنا أشارك زملائي الصحفيين تغطية موسم الحج. هذه الهبة الإلهية كانت فرصة مهمة وملهمة في ذات الوقت؛ فالحج يشكل ميدانا رحبا لصناعة القصص الصحفية الرائعة، إضافة إلى أن التواجد في قلب هذا الحدث الكبير يتيح فرصة فريدة للاطلاع، عن كثب، على حجم الجهد المبذول لإنجاح هذا التحدي السنوي.
كنا نحمل حقائبنا، عدساتنا وأوراقنا، ونتجه إلى المقر المخصص للبعثات الصحفية في مشعر منى، نعيش مع تلك الحشود المكتظة من الحجاج، ونشاركهم روحانية الزمان والمكان، ونستسقي الرحمات ونحن نتجول سويا في مشاعر هذه العبادة العظيمة، على ذات الأثر النبوي الخالد.
كنت، وزملائي الصحفيين، نعمل على مدار الساعة لرصد كل التفاصيل، بدءا من يوميات الحجاج، قصصهم الشخصية والإنسانية، انطباعاتهم ومشاعرهم، إضافة إلى تفاصيل الجهود الجبارة المبذولة لخدمة الحجيج وتوفير كل ما ييسر عليهم أداء مناسكهم.
آلاف السعوديين الذين نذروا أنفسهم، في كل موسم، لهذا الواجب المقدس، لخدمة ملايين الحجاج من نحو 250 دولة بمختلف أعراقهم ولغاتهم وثقافاتهم، وبمستوياتهم المعرفية والإدراكية المختلفة.
قصص وتاريخ المكان وما شهده من عطاء مستمر، بتوسعات وخدمات نقل وبنى تحتية، بل وحتى مواجهة تلك البيئة الصحراوية القاسية بوسائل وتقنيات مختلفة لرحالة الحجاج وتيسير مهمتهم المقدسة.
رحلة المنتجات الغذائية والشخصية والصحية التي تتواجد في كل متر من المشاعر المقدسة، طوال أيام الحج، وتفيض عن حاجة ثلاثة ملايين شخص.
الجاهزية الطبية، بكوادرها البشرية والآلية، التي تتمكن من خدمة هذا العدد الهائل دون تعطل أو خطأ أو تأخير، ووفق خدمة في غاية الإتقان والحرفية، وقبل ذلك بمستوى إنساني نبيل يتعامل مع كل حاج باهتمام وحرص بالغ.
الجهود التي تقف خلف سلامة مواسم الحج من انتشار الأوبئة والأمراض، وقصة التعامل مع آلاف الأطنان من النفايات، والحفاظ على بيئة المكان خالية من التلوث.
القدرة الفريدة على الحفاظ على أمن وسلامة الحجاج وانسيابية تحركات هذه الأمواج البشرية بين المشاعر المقدسة المحصورة في بقعة صغيرة لا تتجاوز 33 كلم مربع.
كل ذلك لا يمثل إلا الفصل الأخير من موسم الحج، والذي يسبقه الاستعداد والتدريب وعمل الخطط، والتنسيق مع كل دولة لتيسير تسجيل واستقبال حجاجها، وتوعيتهم بإجراءات الصحة والسلامة، ثم جهود الاستقبال وخدمات الفحص والعلاج الطبي، وغيرها من الجهود التي أثق تماما بأن الكثير من السعوديين لا يعلمون عن كثير من تفاصيلها؛ عوضا عن العالم بأسره.
كانت موادنا الصحفية، قصصنا وصورنا؛ تتدفق بالعشرات كل يوم، محملة بكم معلوماتي ومعرفي هائل ومنوع، وتنتهي، بخطابها المحلي، على صفحات تموت سريعا قبل أن تتجاوز الحدود.
كان يمكن لذلك الزخم الصحفي، أن يشكل نافذة مذهلة تنقل للعالم تفاصيل تجربة نجاح تستحق الدراسة والتأمل، قصة التحدي الذي يمارسه نحو 350 ألف شخص، يمثلون 47 جهة حكومية سعودية، ويقدمون نحو 335 خدمة رئيسية للحجاج.
قصة الحج؛ لم تجد التوظيف الإعلامي الذي تستحقه، لتكون قوة ناعمة لبلادنا وإنسانها، تعكس مدى ما وصلنا له من تقدم، قبل أن تمنح العالم الإلهام والمعرفة لخدمة وإدارة الحشود، وما يتعلق بذلك من معارف أمنية وصحية وبيئية واقتصادية، والدروس المستفادة من هذه التجارب والخبرات.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي كانت تقوم بها وزارة الإعلام، والمؤسسات الصحفية والإعلامية المحلية، إلا أن ذلك لم يؤد النتيجة المرجوة، ويسهم في إيصال الصورة بأبعادها وتفاصيلها كما تستحق.
السعودية والسعوديون، حكومة وشعبا، لا يبتغون مما يقدمون لضيوف الرحمن إلا وجهه تعالى، وهذا لا يتعارض مع المصلحة التي يتيحها التوظيف الإعلامي لجهودهم، وما يثمر عنه من رافد من روافد رؤية 2030، وقبل ذلك نافذة معرفية يحتاجها العالم بأسره.
وباعتقادي، أول خطوة نحو تحقيق ذلك يجب أن تبدأ من خلال تغيير نمط العمل الإعلامي الذي كان سائدا، وأسلوب السرد التقليدي، والعمل على إعادة النظر في توظيف كل سطر من قصة الحج عبر تخطيط إعلامي مختلف، وبرؤية إبداعية بأفق وخطاب عالمي، وبأفكار وإنتاج يتسق مع معطيات العصر وذهنية المتلقي ونوافذ وتقنيات الإعلام الحديثة، على أن يكون ذلك عملا جماعيا بأسلوب احترافي مختلف.
agbalawi@