الرأي

لا تتنازل ثم تساوم!

صالح العبدلي
يعرف الكثيرون تلك القصة التي تم تداولها على نطاق واسع بعد تسريب رسائل البريد الالكتروني للمرشحة للرئاسة الأمريكية لعام 2016 هيلاري كلينتون حينما سرب لها واحدة من الرسائل التي تصف طريقة رد فعل الأمير الراحل سعود الفيصل في واحدة من أكثر القضايا حساسية، كتبت: حذرت وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل من إرسال قوات درع الجزيرة لكنه أغلق الهاتف في وجهي.

يؤكد ذلك - بصيغة أكثر احتراما لذاتها - ما ذكرته عبر كتاب مذكراتها (خيارات صعبة) الذي أصدرته عام 2013 - 2014 وهي تصف حال دخول قوات درع الجزيرة «لم يروا ضرورة لإبلاغ الولايات المتحدة، ولم ينووا كذلك سؤالنا أو سماع أي توسل لوقف هذه العملية».

هذه الحادثة تذكرني أيضا بحادثة أخرى تتقاطع مع مضمونها، ذكرتها سلمى مجدي في كتابها (أسوأ النساء في التاريخ) وهي حادثة أبكت رئيسة وزراء إسرائيل السابقة (جولدا مائير) وكانت تدور وقائعها الأساسية في مصر، تحديدا في النصف الثاني من القرن الماضي.

حيث سافرت طالبة تدعى هبة سليم للدراسة في فرنسا، وتعرفت على فتاة بولندية قبل أن تصبحا صديقتين مقربتين، حيث عرفتها الأخيرة على مجموعة من الشباب اليهودي، وبعد عدة لقاءات اقترحوا عليها لقاء أحد عملاء (الموساد) فتطوعت هبة لمساعدتهم بدون مقابل.

ودفعوها للزواج من أحد معارفها الذين كانت لا ترغب به، لكنه كان يتقلد منصبا هاما وهو مدير مكتب قائد سلاح الصاعقة المقدم فاروق عبدالحميد الفقي. وبعد الزواج بدأ يمدها بالمعلومات دون أن يشعر، مما حقق خسائر فادحة للجيش المصري، أثناء الحرب مع إسرائيل في تلك الفترة.

وحينما كشفت مصر عن مصدر تسريب المعلومات للإسرائيليين، أمرت بإعدام الفقي فورا، وحين علمت إسرائيل بخبر إلقاء القبض على هبة سليم، قامت بالضغط على الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وأرسلت له وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر لتخفيف الحكم، فأمر بإعدامها فورا ليقطع الطريق أمام الضغط الأمريكي والإسرائيلي.

قبل إقفال القوس، هاتان الحادثتان جسدتا درسا مهما في السياسة، لخصه هنري كيسنجر في مقولة له «لا أحد يتنازل ثم يساوم».

SalehAL3bdli@