فرج الظفيري يكتب للصغار.. والكبار
مقابسات
السبت / 18 / شوال / 1437 هـ - 01:15 - السبت 23 يوليو 2016 01:15
من عادتي، كلما اختلفت إلى معرض كتاب، أن أبحث عن كتب أدب الأطفال، وأحرص على أدباء بأعيانهم، وأهمهم، عندي، كامل الكيلاني، وعادل الغضبان، وأذكر أنني حين زرت معرض جدة الدولي للكتاب، الذي أقيم فيها هذا العام، جعلت كتب أدب الأطفال غاية من غاياتي التي رجوتها.
ويحملني على احتياز تلك الكتب أمور، فعسى أن يرغب أبنائي في القراءة، وعساهم، حين يقرؤون، يجدون في تلك المجاميع المتعة والفائدة، لكنهم يقرؤونها، حينا، وينصرفون عنها، أحايين، أما أنا فكنت أشدهم عناية بها، وتراني أقبل عليها، فأتصل بها اتصالا مستمرا، ثم أنصرف عنها إلى شأن من شؤوني، فلا ألبث إلا حينا حتى أجدد العهد بها، فأجد فيها لذة ومتعة وجمالا، لا أجده في كثير من الأدب القصصي الذي أريد بها الكبار وحدهم.
وليست غايتي أن أتحدث عن كامل الكيلاني وعادل الغضبان، وإن كان كلاهما يستحق أن يفرد بحديث خاص، وإنما كان حديثي هذا توطئة للمجموعة التي أنشأها فرج بن دغيم الظفيري، ودعاها «في قاع البئر وقصص أخرى»، وخص بها الناشئة من القراء.
لم أتكلف بحثا عن هذه المجموعة، ولم أرها في مكتبة من المكتبات، ولولا أن نادي تبوك الأدبي أفضل فأهدى إلي طائفة من الكتب التي أخرجها، ما عرفت شيئا عنها، وحين رأيت الكتاب قليل عدد الصفحات، قلت: لا بأس إن قرأت القصة الأولى منه، فإما أن أتمه، وإلا انصرفت عنه، فأدب الأطفال لا يستطيعه أي كاتب، ولطالما ظهرت على كتب أراد بها أصحابها الأطفال والناشئة، فما أحسنوا القص، وأفسدوا اللغة، فلا أدبا كسبنا، ولا لغة استفدنا، ولأن نفرا من أولئك القاصين يظنون القصة «أحجية»، فلا تعرف ما الذي يريد أن ينهيه إلى القارئ، فالمعنى غائم في رأس الكاتب، بل لعله لا معنى يستطيع تأديته، فكانت تلك المجاميع مما يخشى على الصغار قراءته، لو صارت إليهم، لأنها جديرة بأن تزهدهم في القراءة والأدب والثقافة.
لكنني أقبلت على قراءة القصة الأولى، وما إن أتممتها حتى أنشأت أقرأ الكتاب كله، وهو كتاب قليل عدد الصفحات لطيفها، وحين استوفيت قصصها السبع، حمدت لفرج الظفيري أن تنبهت موهبته فمنح أدب الأطفال هذا الكتاب، وأعاد إلي الكاتب والكتاب الأمل في أن عصرنا هذا الحاضر، ليس ضنينا علينا بأدب سائغ جميل، متى ما رزقنا أديبا موهوبا يعرف أصول صنعته حق المعرفة، فإذا ما كتب، فسيجلب لقارئه المتعة والفائدة.
لم يضطر فرج الظفيري إلى الأسطورة ولا الخرافة يلتمس فيهما موضوعا لقصصه، ولم يغص في بطون التاريخ يستخرج منه الموعظة والاعتبار، ولم يسق إلى قرائه، من الناشئة، قصصا ملغزة، ولكنه كان أدنى إلى عصره، نظر في بعض شؤونه فأخرج هذه القصص، ولعله كان أقرب إلى الخاص من حياته، حين هيأ طرائف منها، فصاغها قصصا ماتعا، يبعث على الابتسامة والدهش، ويذكر قارئه حوادث نزلت به، فما يكتبه الظفيري مما يدور في حياة الناس من الحوادث التي تلم بهم، لكنه استطاع بما أوتيه من «قدرة» أن يصوغ من حوادث «اليوم والليلة» أدبا رائعا، فيه الجمال، لأنه أدب، وفيه الفائدة، لأنه أراد به «الناشئة»، ولا يجد فيه القارئ، إذا أقبل عليه، غربة، ولا إلغازا، فكل ما فيه قريب حبيب، وربما كان تنكبه سبيل الموعظة والنصح كفيلا بأن يقرأه القارئ فلا يجفوه، وأنت لا تجد في مجموعة «قاع البئر» حزنا ولا اكتئابا ولا تشاؤما، فالفرح والضحك يلفان الكتاب، على أننا لا نقع فيه إلا على الرفيع من المعاني، والعالي من الخلق القويم، فكل قصة لها معنيان؛ معنى ظاهري يجلب المتعة والابتسامة وربما الضحك، ومعنى باطني يصير إليه القارئ، حين يستوفي كل قصة، فإذا به يكتسب في كل واحدة منها معنى في الوطنية، أو الحق، أو الحكمة، وربما لم يرد، في غير قصة، إلا أن يمتع قارئه، ويجعله ضاحكا باسما، فإذا ما قرأ هذه القصة أو تلك أثار قصصا وحوادث اتفق لقارئه أن مر بها.
كتب فرج بن دغيم الظفيري على صفحة الغلاف عبارة «مجموعة قصصية للناشئة»، وكان بإمكانه أن يضيف إلى «الناشئة» «الكبار»، دون أن يخالف عن غاية الكتاب، فالقصص رائعة، عذبة، تتصل بحياة الناس، صغارهم وكبارهم، والأدب الرائع الجميل نقرؤه فتلذ لنا قراءته، ولا نسأل حين نقرؤه أكتب للصغار أم للكبار، ما اجتمعت «المتعة» و»الفائدة» في أثنائه.
بقي أن أقول: إن كتاب «قاع البئر» صيغ بلغة عربية متينة، وبيان آسر، ولعل فرج بن دغيم الظفيري، إذا جد في هذا السبيل، سيتذكره القراء إذا ما ذكروا كامل الكيلاني وعادل الغضبان، وأدب هذا سمته، جدير بأن تسوقه وزارة التعليم إلى الطلاب، وسترى إن قررته في كتب التعليم، كيف سيقبل عليه الناشئة، وكيف سيبث في عقولهم وأفئدتهم حب الحق والخير والجمال.
bafaqih.h@makkahnp.com