الجحدلي يستعيد تاريخ ثول من ذاكرة المحار
الخميس / 16 / شوال / 1437 هـ - 23:30 - الخميس 21 يوليو 2016 23:30
جمع سعد جبر الجحدلي في كتابه «ثول الدعيجية البحر والبحارة وذاكرة المحار» بين قلم الأديب، وذاكرة المؤرخ، حيث تفنن في عرض تاريخ قرية ثول الواقعة على طريق الحج القديم في محطته الرابعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وإحدى موانئ البحر الأحمر المهمة، بأسلوب جميل، زادته الدقة التاريخية والوصف المتميز رونقا وروعة.
وعرض في الكتاب أصل تسمية ثول، وما يتعلق باسمها القديم الدعيجية حيث سوق القرية القديم، وما قيل حوله من روايات وقصائد منها:
وجودي وجود اللي حلاله ورد عسفان
وصدر من أم الـريـن يبغـى الدعيجيـة
ثم تطرق إلى سكان المنطقة في القرون الخمسة الأخيرة، وأعرافهم، وعاداتهم، ومواقع حاراتهم، وأنشطتهم الاجتماعية والاقتصادية، وما يتعلق بمشيختهم، متناولا خلال ذلك وصف المباني ومصطلحات البناء المتداولة، ويقول عن ذلك «أول من بنى البيوت من الطين في ثول، والتي كانت تسمى المرابيع جمع مربعة، الشيخ محمد بن عريفان في الحارة الشمالية، وسعود بن عبدربه في حارة البحارة، وقلعة بناها الشيخ معيتق الدغلوبي، وكانت بيوت الطين تسقف بجذوع النخل المتراصة بجانب بعضها، ويوضع فوقها الحصير أو سعف النخيل، ثم تردم بالرمل والطين، أما العشش فتسقف بالمرخ».
ويعد الفصل الذي تناول فيه المؤلف البحر والبحارة ورحلات الصيد، وأسماء السفن، والنواخيذ، والأهازيج التي يرددونها، من أمتع فصول الكتاب، حيث تحدث فيه عن جانب مجهول لكثير من قراء تاريخ المنطقة، واصفا رحلات أهل ثول التي يمتد بعضها إلى تسعة أشهر نحو شواطئ أفريقيا ودهلك ومصوع والسودان والصومال والحبشة، مشرقين ومغربين، للبحث عن اللؤلؤ مرددين موالهم:
يا رب نحو غربتنا يا رب ودينا
نحو البلاد يا رشاد يا نشوف أهالينا
وإن كان يا ريح الصبا لم تودينا
نشكي إلى الله المقـــــــــــادير فينا
لذلك وصفهم البعض بقوله «لا رجال إلا رجال البحر»، لشدة ما يقاسونه في رحلاتهم من مصاعب وأهوال.
ليتحدث بعد ذلك عن رحلات صيد السمك، والمراكب والأدوات التي يستخدمونها في الصيد، مرصعا حديثه بكثير من الأهازيج الجميلة التي يرددها البحارة.
ثم يتحدث عن مورد اقتصادي آخر من موارد المنطقة وهو الزراعة، وعلاقة أهل ثول بها، ومعرفتهم بالأنواء، ومواعيد هطول المطر، وعادتهم في الزراعة والتي من أجلّها عدم منعهم عابر السبيل من الأخذ منها وقت زراعتها.
ويعرض المؤلف مهارة أهل ثول في صناعة السفن، بطريقة دقيقة، مضمنا ذلك مسميات الأدوات المستخدمة، والقطع التي تتكون منها السفينة، ومراحل البناء، في وصف دقيق وواضح.
ومن فصول الكتاب الممتعة الفصل الذي تناول فيه العادات والتقاليد في ثول، نجده وكأنه يهرول في زوايا التاريخ المنسي، ليعرض قبسات منه، واصفا خلال ذلك عادات الزواج، وما يتعلق به من خطبة ومهر، ودفع ودبش وهو ما يدفعه الزوج من هدايا وأثاث وحلي، و»الزفة» التي ينطلق فيها العريس إلى منزل العروس، و»المسيرة» التي تتضمن الزومالة أو الحدية، ما يتبعهما من لعب واستعراض، و»الرفد» ثم «السبوعة» وهكذا وصولا إلى وصف ما يتعلق بالولادة من عادات وتقاليد في تسلسل جميل.
ولأن ثول هي إحدى محطات الحج ارتبطت بعض عاداتها بمرور الحجاج وانطلاقهم منها، حيث يشير المؤلف إلى ذلك بقوله «يستقبل الأهالي هذا الشهر بتقديم الخدمات الجليلة للحجاج، وخصوصا القادمين من جهة البر سواء قادمين من المدينة المنورة أو منطلقين إليها، ويقابلونهم بالبشر والترحاب ومن شعرهم في ترقب القوافل:
يا غراب الجو يا حاني السوادي
وين أريت القافلة وين أريت أسيادي
شفتهم مع القرين حادرين الوادي
طيبين أبعافية طالبين الهادي
وفي الأفراح تجتمع القبيلة، مقدمين أنواعا من الفنون، والتي منها: العرضة، الزير، الرديح، الذي يسمى الرجيعي، الخبيتي الذي يقيمونه في الخبوت وعلى ظهور المراكب متحرين الليالي المقمرة، باثين فيه شكواهم وأنينهم من فراق الأحبة مرددين:
يا نجوم السماء يا سارية خبريني
عن عذيب اللمى هو شد ولا هنيه
أما إحدى الفتيات فترى آثار من تعلقت به فوق الرمال، فتنشد:
جُرة حبيبي فالخلاء سكنتني
عساك يا جُرة حبيبي تعودين
عارضا بعد ذلك بعض القصص والأساطير التي رددها أهل القرية في ليالي سمرهم، والألغاز التي كانوا يتسلون بها، والأمثال والحكم الدارجة.
والحقيقة أن في الكتاب كثيرا من المعلومات القيمة، التي وثقت لتاريخ قرية ثول، وكم نتمنى أن يكون هذا الكتاب بداية لسلسلة تتناول تاريخ القرى الكثيرة المتناثرة، والتي تحتفظ الذاكرة الشعبية بكثير منه، إلا أنه سرعان ما يذبل ويندثر ولا يحفظ، ويضيع كثير من تاريخنا بسبب عدم التدوين.
makkawi@makkahnp.com