البدو بعيون يابانية
الاحد / 13 / رمضان / 1442 هـ - 00:01 - الاحد 25 أبريل 2021 00:01
مع تفاهة ما بات يقدم في التلفزة بوجه عام من برامج و(اسكتشات) لا ترقى لأن يتم وصفها فكيف بنقدها، وجدت في القراءة ملجأ جميلا لتمضية الوقت بعد الإفطار، وحقا كم هو اختيار رائع احتجبت عنه منذ سنوات، حيث أتاح لخيالي أن يسبح في منظومة ترفيهية جميلة دون إسفاف، ومن غير التعدي على منظومتنا القيمية بوجه عام.
ومن أجمل ما قرأت خلال الليالي الماضية كتاب (العرب وجهة نظر يابانية) للكاتب الياباني نوبوأكي نوتوهارا وهو من منشورات دار الجمل. في هذا السفر العظيم اكتشفت جوانب من هويتي كعربي كنت غافلا عنها، بل كنت غير مدرك لنصاعة بياضها جراء ما كتبه الرحالة الغربيون الذين لم يستهدفوا سبر أغوار جانب من مجتمعنا العربي الأصيل بعين محايدة، وإنما كان اهتمامهم فقط برصد الأفعال بمنأى عن طبيعة الظروف المصاحبة للفعل، ليتم النظر إليها بشكل سلبي مع عدم الكشف عن مختلف الصفات الإيجابية الحاكمة للحياة العامة.
ولأكون مباشرا في حديثي أشير إلى شريحة (البدو) التي أبدع المؤلف الياباني بمنهجه المحايد في تشخيص سماتهم ووصف طبيعة حياتهم دون مبالغة أو تشويه، لكونه لم يقتحم عباب الصحراء بأفكار مسبقة، وكان هدفه البحث عن المعنى وليس الغرابة كما يقول، مشيرا إلى الكيفية السلبية التي صورها بعض المستشرقين لحياة البادية ومجتمعها، ومبديا امتعاضه من الصورة السطحية العدوانية التي تقدمها السينما العالمية عن العرب إجمالا.
وفي كل وإيمانا مني بقيمة ما كتب، سأقوم باقتباس جمل من كتابه التي لا أجد أفضل منها لتشخيص واقع البدو وقيمة ما يحملونه من أفكار ومنظومة خلقية، وأزعم أنه كان قديرا بالكشف عن مكنونها وأني تعلمت منه ولا ضير في ذلك. وفي هذا فيقول:
«الطعام عند البدو بسيط للغاية وكأنه وسيلة لاستمرار الحياة، فليس فيه أي مظاهر للترف أو الهدر»، و»في القرآن الكريم تنص الآية {وجعلنا من الماء كل شيء حي} أي كل شيء فيه حياة يولد من الماء، والبدو هم أكثر من يدرك هذه الحقيقة، ورغم شظف العيش، وشح الماء، فإن البدوي يقدم الضيافة لمن يحتاج، أي أنه يرحب باقتراب الآخرين منه على العكس من المستقر الذي يبعد نفسه عن الآخرين، والبدوي يهمه جدا ويرضيه أن يصفه الآخرون بالكرم، فالكرم بهذا المعنى دعوة مفتوحة للعلاقات الصحيحة مع الآخر، على العكس من المستقر الذي يحصر استعمال ثروته لنفسه فقط ولذلك يبعد عنه الآخرين»، «وأخلاق البدوي في الضيافة والفخر وحب إظهار الذات وإرادة إظهار الشجاعة وفي تجنب العزلة، لذلك ليس عند البدوي أسرار ليكتمها ويخفيها عن البدو الآخرين، فكل شيء معروف وأكاد أجزم (واللفظ للمؤلف) أن البدو ليس عندهم اهتمام جدي بالخصوصية السرية».
«ويبدو الكرم أكثر أهمية لدى البدو، فهم لا يختارون ضيوفهم، ويستقبلون الجميع دون تمييز، أي أنهم يقدمون الضيافة من أجل الضيافة، ولكي يكون البدوي كريما فإن عليه أن يتصرف تلقائيا»، «كما للبدوي ميول تدفعه لمواجهة قضايا أكبر منه، بخلاف الفلاحين الذين يحافظون على حياتهم ولا يضحون بأنفسهم إلا في حالات شديدة الخصوصية، لقد أدهشني (واللفظ للمؤلف) اكتشافي أن البدوي يتحدى ما هو فوق قدرته، ويعرض حياته للخطر ويضحي في سبيل ما يعتقد أنه المثل الأعلى».
«والبدو لديهم وعي خاص بالوقت، فهم يعيشون في ديمومة وقتهم الخاص حيث تنمو الأعشاب وترعى الأغنام، وعندما يقيم مدني مع البدو وهو يحمل معه وعيه للزمن فإنه سيجد نفسه قلقا. وحتى نفهم ذلك علينا أن ندرك سر الطبيعة؛ لكي ندرك السر في حياة البدو، فهم يعتبرون الأرض ضمانا لحياتهم على الرغم من شظف العيش وقسوة الطبيعة، لكنهم اختاروا البادية بلا إكراه، ومع تحديهم المستمر لقسوة الطبيعة فإنهم لا ينحرفون أخلاقيا، بل يحافظون بقوة على قيمهم ومبادئهم».
هذا بعض ما كتبه المؤلف ويستحق أن يقرأ كتابه مرات ومرات، والقيمة فيه كما ذكرت أنه شخص حالتهم بأسلوب علمي ومنهج محايد، وأتصور أننا بحاجة ماسة إلى تعديل كثير من تصوراتنا إزاء بعضنا البعض حضرا وبدوا، ولا سيما أننا ننتمي جميعا إلى أرومة واحدة، بثقافة مشتركة، وهوية جامعة أساسها الإسلام دينا، والمروءة منهجا، والأصالة محتدا، وكل ذلك بات ولله الحمد في ظل دولة أبية أسس لواءها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، فجمع بحكمته ما تناثر شرقا وغربا، شمالا وجنوبا في بوتقة واحدة اسمها المملكة العربية السعودية.
zash113@
ومن أجمل ما قرأت خلال الليالي الماضية كتاب (العرب وجهة نظر يابانية) للكاتب الياباني نوبوأكي نوتوهارا وهو من منشورات دار الجمل. في هذا السفر العظيم اكتشفت جوانب من هويتي كعربي كنت غافلا عنها، بل كنت غير مدرك لنصاعة بياضها جراء ما كتبه الرحالة الغربيون الذين لم يستهدفوا سبر أغوار جانب من مجتمعنا العربي الأصيل بعين محايدة، وإنما كان اهتمامهم فقط برصد الأفعال بمنأى عن طبيعة الظروف المصاحبة للفعل، ليتم النظر إليها بشكل سلبي مع عدم الكشف عن مختلف الصفات الإيجابية الحاكمة للحياة العامة.
ولأكون مباشرا في حديثي أشير إلى شريحة (البدو) التي أبدع المؤلف الياباني بمنهجه المحايد في تشخيص سماتهم ووصف طبيعة حياتهم دون مبالغة أو تشويه، لكونه لم يقتحم عباب الصحراء بأفكار مسبقة، وكان هدفه البحث عن المعنى وليس الغرابة كما يقول، مشيرا إلى الكيفية السلبية التي صورها بعض المستشرقين لحياة البادية ومجتمعها، ومبديا امتعاضه من الصورة السطحية العدوانية التي تقدمها السينما العالمية عن العرب إجمالا.
وفي كل وإيمانا مني بقيمة ما كتب، سأقوم باقتباس جمل من كتابه التي لا أجد أفضل منها لتشخيص واقع البدو وقيمة ما يحملونه من أفكار ومنظومة خلقية، وأزعم أنه كان قديرا بالكشف عن مكنونها وأني تعلمت منه ولا ضير في ذلك. وفي هذا فيقول:
«الطعام عند البدو بسيط للغاية وكأنه وسيلة لاستمرار الحياة، فليس فيه أي مظاهر للترف أو الهدر»، و»في القرآن الكريم تنص الآية {وجعلنا من الماء كل شيء حي} أي كل شيء فيه حياة يولد من الماء، والبدو هم أكثر من يدرك هذه الحقيقة، ورغم شظف العيش، وشح الماء، فإن البدوي يقدم الضيافة لمن يحتاج، أي أنه يرحب باقتراب الآخرين منه على العكس من المستقر الذي يبعد نفسه عن الآخرين، والبدوي يهمه جدا ويرضيه أن يصفه الآخرون بالكرم، فالكرم بهذا المعنى دعوة مفتوحة للعلاقات الصحيحة مع الآخر، على العكس من المستقر الذي يحصر استعمال ثروته لنفسه فقط ولذلك يبعد عنه الآخرين»، «وأخلاق البدوي في الضيافة والفخر وحب إظهار الذات وإرادة إظهار الشجاعة وفي تجنب العزلة، لذلك ليس عند البدوي أسرار ليكتمها ويخفيها عن البدو الآخرين، فكل شيء معروف وأكاد أجزم (واللفظ للمؤلف) أن البدو ليس عندهم اهتمام جدي بالخصوصية السرية».
«ويبدو الكرم أكثر أهمية لدى البدو، فهم لا يختارون ضيوفهم، ويستقبلون الجميع دون تمييز، أي أنهم يقدمون الضيافة من أجل الضيافة، ولكي يكون البدوي كريما فإن عليه أن يتصرف تلقائيا»، «كما للبدوي ميول تدفعه لمواجهة قضايا أكبر منه، بخلاف الفلاحين الذين يحافظون على حياتهم ولا يضحون بأنفسهم إلا في حالات شديدة الخصوصية، لقد أدهشني (واللفظ للمؤلف) اكتشافي أن البدوي يتحدى ما هو فوق قدرته، ويعرض حياته للخطر ويضحي في سبيل ما يعتقد أنه المثل الأعلى».
«والبدو لديهم وعي خاص بالوقت، فهم يعيشون في ديمومة وقتهم الخاص حيث تنمو الأعشاب وترعى الأغنام، وعندما يقيم مدني مع البدو وهو يحمل معه وعيه للزمن فإنه سيجد نفسه قلقا. وحتى نفهم ذلك علينا أن ندرك سر الطبيعة؛ لكي ندرك السر في حياة البدو، فهم يعتبرون الأرض ضمانا لحياتهم على الرغم من شظف العيش وقسوة الطبيعة، لكنهم اختاروا البادية بلا إكراه، ومع تحديهم المستمر لقسوة الطبيعة فإنهم لا ينحرفون أخلاقيا، بل يحافظون بقوة على قيمهم ومبادئهم».
هذا بعض ما كتبه المؤلف ويستحق أن يقرأ كتابه مرات ومرات، والقيمة فيه كما ذكرت أنه شخص حالتهم بأسلوب علمي ومنهج محايد، وأتصور أننا بحاجة ماسة إلى تعديل كثير من تصوراتنا إزاء بعضنا البعض حضرا وبدوا، ولا سيما أننا ننتمي جميعا إلى أرومة واحدة، بثقافة مشتركة، وهوية جامعة أساسها الإسلام دينا، والمروءة منهجا، والأصالة محتدا، وكل ذلك بات ولله الحمد في ظل دولة أبية أسس لواءها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، فجمع بحكمته ما تناثر شرقا وغربا، شمالا وجنوبا في بوتقة واحدة اسمها المملكة العربية السعودية.
zash113@