الرأي

معيارية المبادئ

فهد عبدالله
ماذا لو حصل لك موقف فيه نوع من التعقيد وفيه صعوبة من حيث التحليل في تبيان الصواب والخطأ تجاهه، وأعتقد أن مشاهد الحياة اليومية تعج بمثل هذه المواقف، مما يؤكد الاحتياج والأهمية للتحليلات الصحيحة وردود الأفعال المناسبة. فيأتي السؤال المهم جدا عن المنهجية الصحيحة في التعامل في مثل هذه المواقف وكيف يمكن ترتيب الأمور الذهنية التي بالتأكيد سيعقبها ترتيب أيضا في التصرفات ويتماهى مع الانسجام الذاتي تجاه معيارية المبادئ، الذي يكون في الأغلب هو الفيصل في إقامة موازين العدل وعدم البخس في الكيل قدر الاستطاعة البشرية.

سأذكر هنا أربعة ملامح حول معيارية المبادئ كما أسميها، وكيفية التعامل معها قد ترتب شيئا يسيرا في هذا الجانب:

1 - لا بد أن تكون هناك سيادة داخل النفس للقيم والمبادئ، وما تعارف وأجمع عليه البشر من حيث الصحة والنبل والفضيلة بأنه هو الفيصل والمرجع والمواصفة القياسية التي على أساسها يتم رصف التراتيب الذهنية والتصرفات، وحتى لو كان هناك شيء من التقصير في تناول هذه القيم والمبادئ في السلوكيات فهذا لا يلغي أبدا الحاكمية والمرجعية لها، فالقصور في السلوكيات لا يتعارض مع وضوح المرجعية في الوجدان الفكري لدى الإنسان، وهذا بالأساس هو منشأ التعقيد والصعوبة الذي ذكرناه في بداية المقال.

لو تأملت أصحاب الرسالات والحكماء لوجدت أن رسائلهم والحكم التي ينثرونها للبشرية ما كانت إلا لتصحيح هذه المرجعيات أو تعزيز وجودها السابق، فحلف الفضول وإتمام مكارم الأخلاق ولا فرق بين عربي وأعجمي أو أسود وأبيض كلها شواهد ناصعة الوضوح والجمال من خير البشر صلى الله عليه وسلم، لتأكيد موضوع معيارية المبادئ وأنها أحد مناطات الترقي وكذلك الأحكام والمنهجيات.

2 - فهم هذه المبادئ بشكل صحيح ومعرفة تطبيقاتها وتحديثاتها بالإضافة إلى فصل التحيزات الشخصية عن تفسيراتها، هي لربما أكبر الصخور في مسألة التعقيد التي تحدث في تحليل المواقف المركبة، ولربما لو تعمقت في تحليل موقف ما عن أسباب اختلافات التعامل في المواقف المختلفة، سواء كانت من حيث التعقيد والصوابية والخطأ، ستجد أنها مرتبطة بوجود المبدأ أو عدمه أو خفوته داخل النفس، ومن بعد ذلك ستكون الصخور الثلاثة هي الكلمة الجامعة في الأغلب لمختلف أسباب تباين الاختلافات والتصرفات.

3 - ستكون الاختلافات والأخطاء حاضرة مهما كانت مثالية معيارية المبادئ أو جودة العمل على تطبيقاتها، لأنه وبكل بساطة مرتبطة بطبيعة الإنسان من حيث الترددية في ممارسة الصواب والخطأ، وأعتقد أن المهم هنا هو تجاوز الأخطاء سريعا ومحاولة فهم الاختلافات في ضوء معيارية المبادئ والتصحيح الحالي والمستقبلي قدر الاستطاعة، ومع ذلك لن تكون هذه الإجراءات بمثابة الضامن لعدم وجود الخطأ.

4 - حضور هذه المبادئ ليس مرتبطا بحالة زمنية أو مكانية معينة أو مرتبطا بدور اجتماعي معين، من المعيارية المثالية لها أن تحضر في جميع حالات الإنسان بمختلف التطبيقات، وقد يكون في ذلك نوع من الصعوبة التي يتمايز فيها البشر في اقترابهم وابتعادهم من هذه المعيارية.

في الحقيقة بمجرد تصور الارتباط بمثل هذه المعاني في معيارية المبادئ من حيث الفكر والسلوك وممارسة الأخطاء في جانبها مقارنة بعدم وجود هذه المنهجية، لربما ستتكون لديك تلك الصورة المبدئية عن معاني هذا الإنسان الفريد.

تحياتي لك، سألتقي بك مجددا بعد شهر رمضان المبارك.

fahdabdullahz@