اجتماع الطاولة والأولويات العابرة!
السبت / 21 / شعبان / 1442 هـ - 18:46 - السبت 3 أبريل 2021 18:46
قبيل مونديال كأس العالم الذي أقيم في الولايات المتحدة، استضافت القناة السعودية بعضا من نجوم المنتخب المتأهل للمونديال آنذاك، وسأل المذيع أحدهم عن مشاعره، خاصة أنه الظهور الأول لهم عالميا، فقال «إنها فرصة عظيمة أن نحتك بأبرز نجوم العالم»، فقاطعه المذيع وسأله، ما الفرق بينكم وبين أولئك النجوم وقد وفرت لكم الدولة كل الإمكانات التي تجعلكم منافسين حقيقيين لهم، لا مجرد ضيوف شرف! فلم يجد النجم الكروي جوابا إلا السكوت، ومنذ ذلك الحين إلى اليوم والنجوم المحليون مازالوا يحتكون، إن لم يكن فعليا، فعلى الأقل مشاعريا.
قبل يومين، التقى افتراضيا مئة شخصية محلية وبريطانية في اجتماع عرف باجتماع الطاولة المستديرة لقادة التعليم الجامعي في البلدين، هذا الاجتماع الافتراضي نظمته وزارة التعليم، وقد خلص المجتمعون إلى أهداف محددة أهمها: تحديد أولويات البحث العلمي والابتكار بين البلدين، وتكوين مجموعات بحثية عابرة للحدود، وسبحان الله، أبعد كل هذه السنوات من الابتعاث والإنفاق والصرف على البحث العلمي في الجامعات المحلية نعود مع البريطانيين إلى المربع الأول نبحث عن أولويات البحث والابتكار!
لدينا في بريطانيا وحدها أكثر من عشرين ألف مبتعث، وأكثر من مئة ألف مبتعث حول العالم، ومئات الألوف من المبتعثين قد عادوا إلى المملكة منذ مطلع القرن الحالي، ونحن لا زلنا نبحث عن أولويات البحث العلمي! لا بد وأن هناك خللا ما وإشكالية كبيرة تعاني منها الجامعات المحلية، وهذا هو الواقع، ولا بأس أن نعترف بهذا الخلل ونعالجه فورا، ولكن ليس بهذه الطريقة، ولا بالعودة خالين الوفاض من كل شيء إلا خفي حنين!
تخيلوا رئيس جامعة محلية يحضر هذا الاجتماع، معهم على الطاولة المستديرة إياها، ويقر بأن جامعته ما زالت تبحث عن أولويات البحث العلمي، ثم إذا خرج من اجتماعه وعاد إلى مكتبه غرد أو أعاد تغريدة في (تويتر) عن جامعته أنها الأولى في التصنيف العالمي! وثان يزعم أن جامعته تدرس الهندسة والعلوم باللغة الصينية، وآخر يصرح أن باحثي جامعته توصلوا للقاح فعال يقضي على فيروس كورونا! هل تخيلتم كبر المصيبة وهول الفاجعة!
هذا التناقض بين الأقوال والأفعال وبين الواقع والمأمول يجعلنا فعلا مذبذبين، وبلا رؤية واضحة أو طموحات حقيقية، فتارة نتظاهر بالتفوق على الآخرين، وتارة نعود لنبحث عن الأولويات أو نتلمس نقطة صحيحة للانطلاق، إذن الخلل الحقيقي هو في أنفسنا نحن، وليس في غيرنا، وهذا الخلل -من وجهة نظري- ليس قصورا في الطاقات العلمية أو نضوبا في الأفكار الإبداعية والنشاطات الذهنية المحلية، لا أبدا، وإنما الإشكالية في الإدارات الأكاديمية نفسها، في أدائها وطريقة عملها.
لا بأس بالاجتماع نفسه، ولا بأس في تعهد الأولويات من وقت لآخر، فالأولويات تتغير بتغير الظروف المحيطة وتتبدل حسب الرؤية والتخطيط وحسب أدوات التنفيذ، ولكن قبل أن نعبر الحدود بحثا عن الأولويات عند الآخرين يجب علينا أن نصنع هويتنا البحثية ونحدد أهدافنا العلمية، فما عادت محاولات استنساخ تجارب الآخرين تجدي نفعا ولا تصنع مجدا، وما عادت نظرية احتكاك النجوم مستساغة أو لها قابلية.
ونحن هنا لا نسلب المجتمعين حول الطاولة المستديرة حقهم، ولا نقلل من عملهم أو مجهوداتهم وأفكارهم، فحسن الظن قائم، والنية الحسنة موجودة، ولكن هذه الطريقة ليست ذات نفع أو فائدة، فقبل البحث عن أولويات البحث العلمي علينا أن نناقش كفاءة من يدير المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية، ومن ثم نبحث عن سبل التمويل المالي، وأنظمة الرقابة، وضمان الجودة واستمرارية الإنتاج، وإلا فيخشى أن يقال عن اجتماعات الطاولة إياها: (أوردها سعد وسعد مشتمل.. ما هكذا تورد يا سعد الإبل)!
drbmaz@
قبل يومين، التقى افتراضيا مئة شخصية محلية وبريطانية في اجتماع عرف باجتماع الطاولة المستديرة لقادة التعليم الجامعي في البلدين، هذا الاجتماع الافتراضي نظمته وزارة التعليم، وقد خلص المجتمعون إلى أهداف محددة أهمها: تحديد أولويات البحث العلمي والابتكار بين البلدين، وتكوين مجموعات بحثية عابرة للحدود، وسبحان الله، أبعد كل هذه السنوات من الابتعاث والإنفاق والصرف على البحث العلمي في الجامعات المحلية نعود مع البريطانيين إلى المربع الأول نبحث عن أولويات البحث والابتكار!
لدينا في بريطانيا وحدها أكثر من عشرين ألف مبتعث، وأكثر من مئة ألف مبتعث حول العالم، ومئات الألوف من المبتعثين قد عادوا إلى المملكة منذ مطلع القرن الحالي، ونحن لا زلنا نبحث عن أولويات البحث العلمي! لا بد وأن هناك خللا ما وإشكالية كبيرة تعاني منها الجامعات المحلية، وهذا هو الواقع، ولا بأس أن نعترف بهذا الخلل ونعالجه فورا، ولكن ليس بهذه الطريقة، ولا بالعودة خالين الوفاض من كل شيء إلا خفي حنين!
تخيلوا رئيس جامعة محلية يحضر هذا الاجتماع، معهم على الطاولة المستديرة إياها، ويقر بأن جامعته ما زالت تبحث عن أولويات البحث العلمي، ثم إذا خرج من اجتماعه وعاد إلى مكتبه غرد أو أعاد تغريدة في (تويتر) عن جامعته أنها الأولى في التصنيف العالمي! وثان يزعم أن جامعته تدرس الهندسة والعلوم باللغة الصينية، وآخر يصرح أن باحثي جامعته توصلوا للقاح فعال يقضي على فيروس كورونا! هل تخيلتم كبر المصيبة وهول الفاجعة!
هذا التناقض بين الأقوال والأفعال وبين الواقع والمأمول يجعلنا فعلا مذبذبين، وبلا رؤية واضحة أو طموحات حقيقية، فتارة نتظاهر بالتفوق على الآخرين، وتارة نعود لنبحث عن الأولويات أو نتلمس نقطة صحيحة للانطلاق، إذن الخلل الحقيقي هو في أنفسنا نحن، وليس في غيرنا، وهذا الخلل -من وجهة نظري- ليس قصورا في الطاقات العلمية أو نضوبا في الأفكار الإبداعية والنشاطات الذهنية المحلية، لا أبدا، وإنما الإشكالية في الإدارات الأكاديمية نفسها، في أدائها وطريقة عملها.
لا بأس بالاجتماع نفسه، ولا بأس في تعهد الأولويات من وقت لآخر، فالأولويات تتغير بتغير الظروف المحيطة وتتبدل حسب الرؤية والتخطيط وحسب أدوات التنفيذ، ولكن قبل أن نعبر الحدود بحثا عن الأولويات عند الآخرين يجب علينا أن نصنع هويتنا البحثية ونحدد أهدافنا العلمية، فما عادت محاولات استنساخ تجارب الآخرين تجدي نفعا ولا تصنع مجدا، وما عادت نظرية احتكاك النجوم مستساغة أو لها قابلية.
ونحن هنا لا نسلب المجتمعين حول الطاولة المستديرة حقهم، ولا نقلل من عملهم أو مجهوداتهم وأفكارهم، فحسن الظن قائم، والنية الحسنة موجودة، ولكن هذه الطريقة ليست ذات نفع أو فائدة، فقبل البحث عن أولويات البحث العلمي علينا أن نناقش كفاءة من يدير المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية، ومن ثم نبحث عن سبل التمويل المالي، وأنظمة الرقابة، وضمان الجودة واستمرارية الإنتاج، وإلا فيخشى أن يقال عن اجتماعات الطاولة إياها: (أوردها سعد وسعد مشتمل.. ما هكذا تورد يا سعد الإبل)!
drbmaz@