الرأي

التجربة الصينية في البحث والابتكار والصادرات التقنية

فهد العرجاني
يعتبر البحث والتطوير (R&D) أحد أهم الركائز الأساسية لخلق المعرفة والمنتجات المستحدثة والابتكار التقني، كما أن الحكومات تعتمد على ثلاث أدوات رئيسة لتمويل البحث والتطوير: أبحاث خاصة حكومية، أبحاث ممولة بشكل مباشر، وأبحاث ممولة بشكل غير مباشر، تركز فيها الأبحاث المدعومة بشكل مباشر على البحث طويل الأجل، بينما يركز الدعم غير المباشر على نوعية الأبحاث التطبيقية قصيرة الأجل التي تعزز الابتكارات المضافة على تنوع الإنتاج القومي.

وإذا نظرنا إلى العديد من البلدان التي تغلبت على الركود والتشوهات الاقتصادية من خلال زيادة الصادرات، تمحورت سياساتها واستراتيجياتها على أكثر عنصر ديناميكي وهو -تصدير التقنيات والتكنولوجيا العالية-؛ لذلك نرى العلماء الباحثين يعملون على إيجاد المحددات الرئيسة لتصدير التقنيات العالية، كما يبحث صانعو السياسات بجدية عن أميز الحوافز وأكثرها فعالية لدفع هذا التوجه وتعزيزه؛ ليندمج بشكل متوازن ومرن مع السياسات التنموية المستدامة.

كثافة الإنفاق والاستثمار في البحث والتطوير تعطينا نظرة تنبؤية على تصدير التقنية العالية من خلال حصة مساهمة القطاعين العام والخاص بحثيا في الناتج المحلي، فالبحث بشكل عام ليس مقتصرا على الجامعات -هذا إذا افترضانا أن الجامعات تقوم بدورها المتكامل بحثيا وتنمويا- بل إن القطاع الخاص يعتبر أهم داعم للكفاءة البحثية النوعية، فالمعادلة التقليدية في الأثر الإيجابي للبحث والتطوير تقول «كلما زادت الكفاءات البشرية البحثية والإنفاق المكثف السليم زاد الأثر الإيجابي على الناتج المحلي، لاسيما وأن التقنية العالية أثبتت قوتها الجوهرية في تحول الاقتصاديات في أوقات الأزمات على وجه الخصوص».

التعلم من التجارب السابقة من أهم ركائز البحث والتطوير، فخلال متابعتنا للداخل الصيني خلال السنوات الماضية تركز الاهتمام على أن تصبح الصين رائدة بل الأولى عالميا في الابتكار العلمي بحلول عام 2050، تم إعلان الحملة الصناعية -صنع في الصين 2025- في عام 2015 لتحديد استراتيجيات الصين لعدد من الصناعات التقنية المتقدمة كالروبوتات والمعدات الطبية وتقنيات معدات الفضاء وغيرها، حتى وصل الدعم في عام 2017 في إنفاق الصين على البحث والتطوير 280 مليار دولار، مما يشكل دعما للناتج المحلي بما يعادل 2.12%، ويمثل 20% من إجمالي الإنفاق العالمي على البحث والتطوير مساويا بذلك 34 دولة أوروبية مجتمعة، فمعدل نمو الاستثمار في البحث والتطوير الصيني يتجاوز بشكل واضح الولايات الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لذلك أصبحت الصين في السنوات الأخيرة وجهة الباحثين على مستوى العالم يأتون من أوروبا وأمريكا بحثا عن المشاريع البحثية ذات الدعم السخي، الذي يعود نفعه على المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي ومحرك أساسي لتعزيز صادرات الصين التقنية.

وتُعد الرقمنة الصينية الشاملة متقدمة مقارنة بالعالم ومتصدرة في بعض الصناعات، هذا التقدم أسهم فيه القطاع الخاص بشكل واضح، لاسيما ونحن نرى عملاق الابتكار العالمي شركة (هواوي) على سبيل المثال يرتفع إنفاقها على البحث والتطوير من 4.9 مليار دولار عام 2012 حتى وصل في عام 2018 إلى 21 مليار دولار، وبإجمالي موظفين يقارب 200 ألف، يعمل 80 ألف مهندس منهم في البحث والتطوير في أكثر من 173 دولة حول العالم، هذا الاستثمار السخي جعل الشركة تتصدر قطاع الاتصالات والتقنية عالميا.

اليوم المملكة تركز دعمها على هذا القطاع بعد موافقة مجلس الوزراء على تشكيل اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار، بهدف أن تكون المملكة من أفضل 10 دول في مؤشر التنافسية، دعما للتنمية الشاملة المستدامة، ما سيدعم هذه الأهداف هو إطلاق بعض المبادرات الاستراتيجية المرنة، والتي تتجه بشكل متواز مع تحديات وفرص القطاع الخاص ويرفع مساهمة وتجاوب المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة بأن تكون عاملا مهما في تجارب وتحليل مخرجات هذا النوع من المنشآت، بالدعم الممول من الشركات الكبرى والجامعات ومراكز التمويل البحثي في القطاعين الخاص والعام لرفع كفاءة ونوعية الأبحاث في أسواقنا المحلية بمختلف أنواعها لخلق الصادرات التقنية في وطن العطاء تحقيقا لأهداف رؤيتنا الطموحة واقتصادها المعرفي المستدام.

fahadnalarjani@