سلام الأقوياء والحكمة يمانية
السبت / 14 / شعبان / 1442 هـ - 19:33 - السبت 27 مارس 2021 19:33
انتابني فرح عارم حال استماعي للمبادرة التي أعلنها وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان قبل أيام، والتي تنص أبرز عناوينها على وقف إطلاق النار الشامل بين جميع الأطراف المتحاربة، وفتح ميناء الحديدة، وفتح مطار صنعاء للرحلات الدولية المباشرة مع استثناء بعض الجهات، إلى غير ذلك من التفاصيل، وتفاصيل التفاصيل التي يمكن مناقشتها بشكل مباشر بين وفدي التفاوض حال البدء في سريان المبادرة مع إعلان قبولها من قبل جماعة أنصار الله وسلطة الأمر الواقع في صنعاء.
والواقع أني لا أحتاج إلى أن أبرر سبب سروري بهذه المبادرة، إذ لا يفرح باستمرار القتال بين الإخوة والأشقاء سوى إنسان باغض يُضمر في داخله الضغينة للجزيرة العربية وأهلها الذين يمثلون عصب الجسم العربي ونواته عبر مختلف الحقب التاريخية. هذه الأرض العربية التي ظلت لقرون طويلة بمنأى عن التحارب الدولي والصراعات الإقليمية، فعاشت ضمن حدودها هادئة متأقلمة مع مشاكلها وصراعاتها المحدودة التي سرعان ما تنتهي وتتلاشى آثارها بحبة خشم هنا، وجبر دم هناك.
لكن ذلك لا يرضي الآخر العامل على إنهاء أي وجود للهوية العربية، حيث وبعد أن استحكمت قبضته في أقطار الهلال الخصيب تفتيتا وتشريدا وتدميرا موحشا، وبعد أن همش وادي النيل وسحق إنسانه شمالا وجنوبا، وبعد أن أخرج المغرب العربي من هويته الثقافية لتتفرنس ألسنة أبنائه، جاء الدور إلى شبه الجزيرة العربية التي تمثل عمق هوية كل أولئك، ومخزن وجودهم القومي، ومنبع وعيهم الثقافي، وهو ما يتراءى لي في عديد من الأحداث ومنها ما نشهده من توتر سياسي بين بعض دوله، وصراع عسكري محتدم في الحرب الدائرة في اليمن، ولعمري فهذا هو المطلوب بقاؤه لتلك القوى العاملة على محو الوجود العربي بوجه عام.
في هذا الإطار أرى أن من الأهمية الإشارة إلى تلك الفروق البارزة بين شخصية العسكري والسياسي، فالأول منهما تتركز شخصيته في ثقافة واحدة مفادها النصر أو الهزيمة؛ أما السياسي فقاموسه اللغوي والحياتي أكثر اتساعا ومرونة، فالمشهد لديه ليس أبيض وأسود، وإنما يتدرج البياض في تموجاته إلى أبعد مدى، كما أن السواد له ألوان متعددة تقرب في جوهرها من البياض أكثر من غيرها. إنها السياسة التي تعني فن التعامل بالممكن، وهي السياسة التي تضع في مقدمة حساباتها معايير مادية ومعنوية مختلفة تعمل على أن تكسبها بأفضل قدر ممكن. والخطورة في الأمر حين يفكر السياسي بذهن العسكري والعكس كذلك.
على أن لب الإشكال يتمحور في مجموعة ثالثة تنشأ بطبيعتها الشيطانية مع كل خلاف وصراع سياسي وعسكري؛ إنهم الطفيليون الذين يجدون أنفسهم ضمن كل خلاف، مستفيدين من تنامي حالة الصراع ماديا ومعنويا، ولذلك تراهم جادين في تصعيدهم لكل خلاف، باذلين ما وسعهم من جهد لتشويه الصورة هنا وهناك، مع التزامهم بالظهور بمظهر الغيور المدافع عن أمن وسلامة وكرامة الجهة التي ينتمون إليها، غير أنهم في النائبات قليل، ولذلك تراهم حال الحرب أول المسعرين جعجعة بأصواتهم، وآخر المبادرين بأنفسهم وذواتهم، فإن انتصر من هم في جهته، وحل الاحتفال بالمكاسب، بادروا إلى إبراز شخوصهم وكأنهم هم من قادوا القتال، وإن جاءت النتيجة بعكس ما أحبوا، سارعوا إلى الغنيمة بأرواحهم، ليبدؤوا البحث عن موقع آخر يتسلقون من ورائه. إنهم من يجب أن يتنبه الناس لهم ليس على الصعيد السياسي والحربي وحسب، بل حتى على الصعيد الحياتي وما أكثرهم.
أخيرا، من السهل البكاء على اللبن المسكوب، وليس ذلك من طبع السياسي المحنك والعسكري العاقل، فكيف بمن حباهم الله بحكمة يمانية مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. وعليه فالكرة الآن في مرمى أهلنا في اليمن الذين أرجو أن يبادروا إلى قبول مبادرة السلام المعلنة مؤخرا، لينخرطوا في مناقشة التفاصيل عبر مفاوضات مباشرة مع مختلف الأطراف، للوصول إلى صيغة تتفق عليها كل المكونات السياسية، لتنتهي معاناة ومأساة شعب آن له أن يستريح من تعب نصف قرن، وكم يحضرني في هذا الموقف قول عتبة بن ربيعة وهو يدعو قريشا للعودة إلى مكة حال سماعه بنجاة قافلة أبي سفيان قائلا: «اعصبوها برأسي وقولوا جبن عتبة»، فهل من عاصب يحقن الدماء بقوة وشجاعة قراره؟
zash113@