الرأي

صح النوم.. دكتوراه بالـ «واتس اب»

بندر الزهراني
نسمع كثيرا، ومن وقت لآخر، عن الشهادات الوهمية المستوردة، ونقرأ هنا وهناك عن نشر الأبحاث بمقابل مالي مقنن تحت مسميات مختلفة، كتكوين المجموعات البحثية والتعاونات الدولية وبرامج الاستقطاب و«الاستنقاط» وإلى ما هنالك من ألاعيب شيطانية تخترعها الإدارات الميديوقراطية، ونسمع أيضا عن السرقات العلمية والأدبية، وأن هذه الممارسات قد تكون فردية لا شأن ولا علاقة للمؤسسات الأكاديمية بها، وقد تكون مؤسسية تحت شعارات وهمية وأنشطة خداعة.

لكن وبالرغم من كل هذه التجاوزات اللا أخلاقية إلا أنه لم يخطر في البال أن يأتي علينا يوم من الأيام ويصبح العمل بها وممارستها أمرا مألوفا أو شبه مألوف، وألا يتوارى أصحابها خجلا من أنفسهم ومما اقترفته أيديهم!

في بعض الجامعات يظنون السكوت عن مثل هذه التجاوزات وجها من أوجه الخير أو بابا من أبواب الستر، وأن كشفها والتخلص منها قد يجلب عليهم الفضيحة والعار أو يضعهم في دائرة من النقد والملاحظة، وبعض الإدارات العليا ربما رأت في ذلك أمرا طبيعيا وأن لا بأس من وقوعه، خاصة إذا ما كان المردود المعنوي يصب في خانة «البروباغندا» الإعلامية، وبالتالي المحافظة على الكراسي والمناصب الإدارية واستمرارية البدلات والمنح والجوائز المالية.

ولأن السكوت عن الخطأ خطأ أكبر، بدأنا نلمس ضعف المنتَج وهشاشة المخرَج فيما يقدم لطلاب الدراسات العليا وفيما يطرح من أبحاثهم ورسائلهم العلمية، طبعا ليس الكل، ففي التعميم إن فعلنا ظلم وتجنٍ، ولكن مع ضعف التدريس، وندرة الأفكار الإبداعية في الجامعات الكبيرة، ومع إطلاق برامج للدراسات العليا في كل الجامعات الناشئة، بدأنا نشعر في السنوات الأخيرة بما يشبه الغثيان الذي يعقبه التقيؤ أكرمكم الله!

في إحدى الجامعات الكبرى، ونقصد بالكبرى تلك التي تأتي في صدارة التصنيف الإقليمي في كل عام مرة أو مرتين، ودائما ما يتباهى بها المسؤولون ويكثرون الحديث عنها والاستشهاد بإنجازاتها التصنيفية، بلغ الحال ببعض الأساتذة الاكتفاء بإرسال ملف أو ملفين لطلابهم في مواد مرحلة الدكتوراه باستخدام تطبيق «واتس اب» ولا يكلفون أنفسهم بأكثر من ذلك، ثم في نهاية الفصل الدراسي يضعون لهم درجات الله أعلم بهم كيف حملوها وكيف وضعوها لهم!

هذا «الانحطاط» والتردي في تقديم المادة العلمية في مرحلة عليا من التعليم يجعلنا نتساءل عن السر الحقيقي وراء ذلك وعن الأسباب والدوافع، بل ويدعونا لإعلان حالة من الطوارئ والاستنفار في التعليم العالي لحين العودة ومراجعة الأخطاء وتصحيح مسارات العمل الأكاديمي إداريا وعلميا، وإلا فإن الأحلام الوردية التي نحلم بها ستظل أضغاث أحلام وخيالات يحسبها المستغفل المسكين حقائق واستحقاقات!

قد يقول قائل: ربما حادثة الـ «واتس اب» حالة فردية لا يصح البناء والقياس عليها، وربما كانت بسبب الجائحة وظروف التعليم عن بعد، فنقول: هذا تبرير مقبول إذا وإذا فقط كانت المخرجات في مستوى من القوة والتناغم يعلو فوق هذا النشاز، ولو كانت كذلك لما وجدنا «الواتسيين» يتعلمون الحجامة في رؤوس أبنائنا ويسرحون ويمرحون في جامعاتنا.

كيف لمثل هذه الجامعات الهشة في تدريس برامج الدكتوراه والمتهورة في منح صكوك الفلسفة أن تنافس وتبحث لها عن موضع قدم في مصاف الجامعات العالمية؟! لا يمكن أبدا وهي بهذه الحال المزرية، ولا بد إن أردنا حماية الجسد الأكاديمي حماية الرأس أولا، أعني الاهتمام والعناية بالدراسات العليا، فالمثل الشعبي الدارج يقول: إذا عاب الرأس عاب البدن! وأنا أقول ما قاله زهير: ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى، من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا.

drbmaz@