غربة الوعي.. أشياء نعرفها ولا ندركها
الخميس / 12 / شعبان / 1442 هـ - 20:50 - الخميس 25 مارس 2021 20:50
نحن لا نتساءل عن وجودنا؛ وبكلمات أكثر دقة: نحن لا نشعر بأننا أحياء، أو عقلاء، أو قادرين على أن نستوعب ما حولنا؛ كل ذلك بسبب قربنا الشديد، من مسألة وعينا بكل شيء يحيط بنا.
ربما تكون هذه مقدمة مربكة قليلا، نعم، هي كذلك ولكن! ماذا لو تساءلنا عن الأشياء التي نعرفها، وندعي الوعي بها؟ ولنضرب مثلا ليتضح الأمر: كلنا نعرف تقريبا، مهارة الإنصات، وحسن الاستماع، لا بل قد ندعي جميعا حيازة هذه المهارة؛ عند تحقيق مستوى قدرتنا واستيعابنا على تفعيل هذه المهارة، نجد القليل منّا فقط الذين يحسنون استخدام وإدراك هذه المهارة، الذي يحدث أننا بسبب قربنا من (معرفة) هذا المكون المهاري، نعتقد بأننا أدركنا معناه ومفهومه، ولا نكلف أنفسنا عناء البحث والتنقيب والوعي بهذا المفهوم أو غيره على أكمل وجه.
نستمر في ادعاء معرفة وإدراك شيء ما حولنا، وبالقرب منّا، لكننا لا نُخضع هذه المعرفة للتجربة، ولمحك الوعي به وإدراكه.
هنا نصل لغاية البحث والتساؤل في طرحنا هذا، وهو كيف تغرّب وعينا عن الإدراك الذي ندعيه؟ هل نحن في محيط المعرفة التي تؤهلنا لأن نلمس حد الوعي العام؟ والوعي الخاص الذي يمكننا من التعامل مع الحياة بشكل أفضل؟
إن ما أود طرحه هنا هو تغييب مفهوم الوعي عن مجال عمل عقولنا وفهمنا، ندعي – كما قلت – أننا ندرك الأشياء والمفاهيم والأفكار والدروس والتجارب، التي تمس حياتنا بشكل مباشر، وغير مباشر، خذ مثلا – عزيزي القارئ – موجة الحديث عن كل شيء وكل فن وكل تخصص، بشكل مجمل وغالب على شريحة كبيرة من البشر، فإنك تجد أن أغلبنا يتحدث بثقة كبيرة في كل شاردة وواردة، ولا نشعر في خضم هذا الاقتحام الجريء، بأنفسنا وبقدرتنا وسعة علمنا وأهليتنا للحديث في فن أو فكرة أو مجال معين، كل ما نمارسه هو (غربة) لوعينا، أو (تغريب) بالأصح، نحن نضع إدراكنا على محك التمييز والمقدرة والأهلية والكفاءة، ونعرض أنفسنا لنتائج سلبية من جراء اقتحام ما لا ندرك كامل الإدراك، أو على الأقل الحد الأدنى من الإدراك الذي يسمح لنا بالحديث في موضوع بعينه، وكما قلت لكم، فإننا نقتحم بشراسة ميادين الحديث في كل ما يخدعنا وعينا المغترب الخوض فيه، ونعتقد بمباركة وتحفيز من منصات ووسائل التواصل الاجتماعي، بأن لنا الحق في الخوض والحديث في كل مشكلة وأزمة ونازلة.
يروى عن ابن حجر العسقلاني قوله «إذا تكلم المرء في غير فنه أتى بالعجائب»، عموما لا أظن، أن كم العجائب الهائل الذي نراه في زمننا الحاضر يخفى على أحد، ولسنا بطبيعة الحال بحاجة لعمل إحصائية، توضح أو تقرر هذا السيل الجارف من العجائب، ومدى تأثيره على سير حياتنا الاجتماعية والفردية على حد سواء، وهنا أريد أن أوضح أنني لست بصدد فرض وصاية على الغالبية العظمى من البشر، لكنني أسعى من خلال طرحي في هذا المقال، إلى الحديث في جزئية محددة، وهي الوعي بما حولنا حق الوعي؛ وبذلك فإن مجمل ما تناولته في مقالي هذا، يطرح الأسئلة العميقة حول مسألة في غاية الأهمية وهي التي أختصرها في جملة: أشياء نعرفها ولا ندركها. غالبا، وعندما نتحاور يسيطر علينا شعور بأننا نمارس الحوار النموذجي مع الشخص أو الأشخاص الذي نحاورهم، هم أيضا يعتقدون نفس الاعتقاد، ويشعرون نفس الشعور، لكن! هل حقا نحن نمتلك جميعا، تصورا جازما بأننا ندرك ما نعرف عن الحوار؟
أريد هنا أن أوسع مجال البحث قليلا، أو أن أتناول قيمة مهمة من قيم المعرفة في حياتنا ووعينا، نحن للأسف نتكبر على المعرفة، في المجمل، ونضرب بالأصول عرض الحائط في كل فن من فنون تعاملنا وعلاقتنا بالحياة وما فيها حولنا؛ والسبب في تصوري واعتقادي هو أننا نكتفي بمختصرات المعرفة في أي مجال، ونعتقد بأننا قادرين على الخوض فيه؛ لا نلقي بالا للحاجة للتوثق والتحقق من المعرفة أولا ثم الإدراك ثانيا، ثم تشكيل مفهوم الوعي الكامل الذي نحن بحاجة له لتشكيل شخصياتنا وذواتنا، لكي تترسخ حقيقة ذات الإنسان وتكوينه المعرفي، ولكي يكتسب الإنسان منا معالم وعيه المغترب، يجب أن يبحث عميقا في إرث المعرفة ومكامن تراكمها عبر العصور، بأن ينوي حقا أن يفهم ويعرف ويدرك، لأننا بالمعرفة السريعة والومضية والخاطفة، لا نرسم ملامح شخصياتنا وذواتنا العارفة، بل نؤسس على قاعدة مهتزة من المعلومات المجتزأة والمختطفة من أصل المعرفة ومحتواها الكامل.أخيرا، أود أن أشير إلى أنه لكي ننجح في بناء قاعدة راسخة لوعينا، لابد لنا من أخذ المعارف من مصادرها كمنظومات متكاملة، وغير مختصرة أو سريعة في التلقي والمعرفة، يجب أن نصل بمعرفتنا إلى مستوى الإدراك، الذي يشكل الكيان الحقيقي لمعرفة الإنسان التي تؤدي به إلى بناء وتأسيس وإحكام قيمته الواعية بما حوله، والتي تمكنه – بإذن الله – بأن يتصدى للحياة ويدرك منها ما هو في أمس الحاجة له، لكي يعيش ويحقق أهدافه وغاياته وفي المحصلة النهائية أن يحقق ذاته، ككيان مستقل وبارز في هذا الوجود العظيم.
salman2me@
ربما تكون هذه مقدمة مربكة قليلا، نعم، هي كذلك ولكن! ماذا لو تساءلنا عن الأشياء التي نعرفها، وندعي الوعي بها؟ ولنضرب مثلا ليتضح الأمر: كلنا نعرف تقريبا، مهارة الإنصات، وحسن الاستماع، لا بل قد ندعي جميعا حيازة هذه المهارة؛ عند تحقيق مستوى قدرتنا واستيعابنا على تفعيل هذه المهارة، نجد القليل منّا فقط الذين يحسنون استخدام وإدراك هذه المهارة، الذي يحدث أننا بسبب قربنا من (معرفة) هذا المكون المهاري، نعتقد بأننا أدركنا معناه ومفهومه، ولا نكلف أنفسنا عناء البحث والتنقيب والوعي بهذا المفهوم أو غيره على أكمل وجه.
نستمر في ادعاء معرفة وإدراك شيء ما حولنا، وبالقرب منّا، لكننا لا نُخضع هذه المعرفة للتجربة، ولمحك الوعي به وإدراكه.
هنا نصل لغاية البحث والتساؤل في طرحنا هذا، وهو كيف تغرّب وعينا عن الإدراك الذي ندعيه؟ هل نحن في محيط المعرفة التي تؤهلنا لأن نلمس حد الوعي العام؟ والوعي الخاص الذي يمكننا من التعامل مع الحياة بشكل أفضل؟
إن ما أود طرحه هنا هو تغييب مفهوم الوعي عن مجال عمل عقولنا وفهمنا، ندعي – كما قلت – أننا ندرك الأشياء والمفاهيم والأفكار والدروس والتجارب، التي تمس حياتنا بشكل مباشر، وغير مباشر، خذ مثلا – عزيزي القارئ – موجة الحديث عن كل شيء وكل فن وكل تخصص، بشكل مجمل وغالب على شريحة كبيرة من البشر، فإنك تجد أن أغلبنا يتحدث بثقة كبيرة في كل شاردة وواردة، ولا نشعر في خضم هذا الاقتحام الجريء، بأنفسنا وبقدرتنا وسعة علمنا وأهليتنا للحديث في فن أو فكرة أو مجال معين، كل ما نمارسه هو (غربة) لوعينا، أو (تغريب) بالأصح، نحن نضع إدراكنا على محك التمييز والمقدرة والأهلية والكفاءة، ونعرض أنفسنا لنتائج سلبية من جراء اقتحام ما لا ندرك كامل الإدراك، أو على الأقل الحد الأدنى من الإدراك الذي يسمح لنا بالحديث في موضوع بعينه، وكما قلت لكم، فإننا نقتحم بشراسة ميادين الحديث في كل ما يخدعنا وعينا المغترب الخوض فيه، ونعتقد بمباركة وتحفيز من منصات ووسائل التواصل الاجتماعي، بأن لنا الحق في الخوض والحديث في كل مشكلة وأزمة ونازلة.
يروى عن ابن حجر العسقلاني قوله «إذا تكلم المرء في غير فنه أتى بالعجائب»، عموما لا أظن، أن كم العجائب الهائل الذي نراه في زمننا الحاضر يخفى على أحد، ولسنا بطبيعة الحال بحاجة لعمل إحصائية، توضح أو تقرر هذا السيل الجارف من العجائب، ومدى تأثيره على سير حياتنا الاجتماعية والفردية على حد سواء، وهنا أريد أن أوضح أنني لست بصدد فرض وصاية على الغالبية العظمى من البشر، لكنني أسعى من خلال طرحي في هذا المقال، إلى الحديث في جزئية محددة، وهي الوعي بما حولنا حق الوعي؛ وبذلك فإن مجمل ما تناولته في مقالي هذا، يطرح الأسئلة العميقة حول مسألة في غاية الأهمية وهي التي أختصرها في جملة: أشياء نعرفها ولا ندركها. غالبا، وعندما نتحاور يسيطر علينا شعور بأننا نمارس الحوار النموذجي مع الشخص أو الأشخاص الذي نحاورهم، هم أيضا يعتقدون نفس الاعتقاد، ويشعرون نفس الشعور، لكن! هل حقا نحن نمتلك جميعا، تصورا جازما بأننا ندرك ما نعرف عن الحوار؟
أريد هنا أن أوسع مجال البحث قليلا، أو أن أتناول قيمة مهمة من قيم المعرفة في حياتنا ووعينا، نحن للأسف نتكبر على المعرفة، في المجمل، ونضرب بالأصول عرض الحائط في كل فن من فنون تعاملنا وعلاقتنا بالحياة وما فيها حولنا؛ والسبب في تصوري واعتقادي هو أننا نكتفي بمختصرات المعرفة في أي مجال، ونعتقد بأننا قادرين على الخوض فيه؛ لا نلقي بالا للحاجة للتوثق والتحقق من المعرفة أولا ثم الإدراك ثانيا، ثم تشكيل مفهوم الوعي الكامل الذي نحن بحاجة له لتشكيل شخصياتنا وذواتنا، لكي تترسخ حقيقة ذات الإنسان وتكوينه المعرفي، ولكي يكتسب الإنسان منا معالم وعيه المغترب، يجب أن يبحث عميقا في إرث المعرفة ومكامن تراكمها عبر العصور، بأن ينوي حقا أن يفهم ويعرف ويدرك، لأننا بالمعرفة السريعة والومضية والخاطفة، لا نرسم ملامح شخصياتنا وذواتنا العارفة، بل نؤسس على قاعدة مهتزة من المعلومات المجتزأة والمختطفة من أصل المعرفة ومحتواها الكامل.أخيرا، أود أن أشير إلى أنه لكي ننجح في بناء قاعدة راسخة لوعينا، لابد لنا من أخذ المعارف من مصادرها كمنظومات متكاملة، وغير مختصرة أو سريعة في التلقي والمعرفة، يجب أن نصل بمعرفتنا إلى مستوى الإدراك، الذي يشكل الكيان الحقيقي لمعرفة الإنسان التي تؤدي به إلى بناء وتأسيس وإحكام قيمته الواعية بما حوله، والتي تمكنه – بإذن الله – بأن يتصدى للحياة ويدرك منها ما هو في أمس الحاجة له، لكي يعيش ويحقق أهدافه وغاياته وفي المحصلة النهائية أن يحقق ذاته، ككيان مستقل وبارز في هذا الوجود العظيم.
salman2me@