العقل المتزن والمنهجيات
الأربعاء / 4 / شعبان / 1442 هـ - 19:03 - الأربعاء 17 مارس 2021 19:03
من المواقف اللطيفة التي قد تضفي جمالا لروح وعقل صاحبها عندما يدخل في حوار مع أحدهم، وبالرغم من يقينية ما لديه من المعطيات إلا أنه يسلك مسار التفكير العميق فيما يقوله الآخر، وظنية الخطأ فيما لديه من معطيات، ملامح الجمال هنا ليس في إثبات الرأي أو عكسه، وليس حسن الإنصات والاستماع وإن كانا من ملامح الجمال، ولكن وجود منهجية السلوك الفكري والحواري المتزنة في التعاطي مع ما يقوله الآخر لاعتقادي بأن هذه المنهجية ضمانة دائمة لصاحبها في ملازمة الموضوعية، والتوجه مع ما هو صحيح في أي اتجاه ذهب.
واعتقادي في هذا الأمر من خلال الملاحظة والتأمل يتصل بأن المنهجيات في السلوكيات الحوارية والفكرية عادة ينتج من خلالها نتائج صحيحة في الأغلب، لأنها بمثابة الالتزام الأخلاقي بالتوجه مع اتجاه البوصلة نحو الصحة والحقائق، بينما عدم وجود مثل هذه المنهجيات قد يجعل السلوكيات الحوارية والفكرية تصيب مرة وتخطئ مرات، فعدم وجود المنهجيات يجعل مثل هذه الأمور متأرجحة على حسب المؤثرات الخارجية التي لا حصر لها مثل الانتماءات وصبغة الحياة الاجتماعية وقوة العادات والتقاليد وغيرها.
والرسالة العظيمة غير المباشرة هنا في تحري منهجيات السلوكيات الحوارية والفكرية تحكي بأنه مهما كان لدي وفرة في المعلومات والمشاهدات إلا أنها تبقى في حيز صغير جدا، بل يتناهى في الصغر مقارنة بما يحويه الكون وعقول البشر من معلومات وأفكار، فهو إثبات حقيقي للقصور الشخصي في جانب الكم والكيف للأفكار والمعلومات لدى الشخص الذي بالتأكيد سيخلف وراءه صفات عظيمة جدا، مثل العدالة والموضوعية والتواضع. لذلك تشنف الأذن ويطيب النظر ما إذا كان هناك فكرة أو رأي وحتى لو كانت خاطئة، ولكنها تنامت من خلف ستار منهجية ذات اجتهاد بشري يتوخى فيه الموضوعية وكافة جوانب النظر. بالطبع ليس المقصود احتفاء بالخطأ بقدر ما هو احتفاء بتلك المنهجيات المتزنة التي أخطأت مرة وستصيب مرات كما أعتقد.
والسؤال المهم والعملي هنا: كيف يمكن للإنسان تحسين وتطوير مثل هذه المنهجيات؟ ورأيي في هذا السؤال أنه ليس مجرد سؤال، بل أكبر من ذلك من خلال إسقاطاته الكثيرة جدا في طريقة النظر للحياة والتعامل مع الموجودات من حولنا، بعبارة أخرى هو ليس مجرد أسلوب حواري أو أداة من أدوات تداول المعرفة، بل أثره عندما يستقر في الأعماق سيكون متراميا في جميع مساحات الحياة والعلاقات الشخصية، فضلا عن العلاقة مع النفس، تأملها ببطء ستجد أن لهذه المنهجيات ارتباطا وثيقا بالسلوك الأخلاقي من حيث النتيجة والسبب.
بخصوص إجابات السؤال، أعتقد أنها أكبر وأكثر من أن يلملم شتاتها هذا المقال، ولكنها مرتبطة بدرجة أولى بالارتباط بأساليب البحث العلمي التي وصل فيها العلم إلى أجزاء متناهية الصغر في كيفية الطريقة المثلى للوصول للنتائج والحقائق أو تفسيرها، وهذه الأساليب البحثية القائمة على التحييد قدر المستطاع للتحيزات الشخصية سيظهر أثرها عند الممارسة المستمرة على تطوير هذه المنهجيات الفكرية والسلوكية للإنسان.
من الجوانب أيضا المهمة البيئة الاجتماعية المحيطة بالإنسان، ومدى الارتقاء في هذه المنهجيات لديهم بالتأكيد سيكون له مسحة تأثير كبيرة جدا بالإيجاب أو السلب في جانب النظر المنهجي والموضوعي، وبالطبع هذا الجانب عابر لجميع الأمور الفكرية والأخلاقية، فالصاحب ساحب والإنسان في الأغلب ما هو إلا ابن بيئته الاجتماعية.
أخيرا هو فيما يتعلق بالتعمق في العلوم الجديدة والأفكار المختلفة والآراء التي قد تختلف عما لدينا من آراء حالية لأنها بمثابة تفكيك وإصلاح لما لدينا من عادات وأفكار ومنهجيات في التفكير، وكذلك التعرض الكبير الذي يحدث في التعرف على قوالب التفكير المختلفة التي بالتأكيد سيكون لها أثر كبير جدا في تقوية عضلة المنهجيات.
وفي الحقيقة، مجرد بقاء حضور هذا السؤال بخصوص كيف يمكن تحسين وتطوير المنهجيات هي الخطوة الكبيرة التي ستجعل الحضور الذهني في تألق دائم تجاه هذا التحسين المنشود، وجود هذا السؤال الدائم هو أيضا يعني وجود النية الدائمة للتحسين واستمرارية النية غالبا تنال بها المرادات.
@fahdabdullahz