الرأي

أحاديث إدارية.. المرونة الفكرية

دلال العريفي
تعترض الإدارات التقليدية مشكلات ليست بالقليلة، والسبب في تعرضها الدائم لتلك المشاكل يمكن تلخيصه وببساطة في افتقادها وافتقارها للمرونة في التفكير الإداري، في عجزها عن تقبل متغيرات العالم وتطورات الفكر الإداري، في المقاومة المستمرة لفكرة أن العالم يتجدد بما فيه، في التشبث بالتقاليد البيروقراطية والإجراءات الإدارية البالية وبطريقة تدعو للتعاطف مع أصحابها. والأكيد أن الإدارة التي لا تتواكب مع متغيرات الحياة لن يكفيها أن تصبح «تقليدية والسلام»، إذ لا يمكن أن تبقى رهن تقاليدها السابقة سالمة ومنجزة، ولن تسلم من إخفاقات إدارية مؤكدة تثبت فشلها بسبب تخليها عن فكرة المرونة الفكرية الإدارية.

وتشكل المرونة الفكرية والتكيف والتأقلم مع المتغيرات مهارات ناعمة أساسية لنجاح المنظمات والأفراد. وتلك المرونة في بيئة العمل تعني القدرة على التغير من أجل تحقيق نجاح أكبر، والتأقلم السريع مع تطورات العصر ومتطلبات الأعمال، والتقبل الواعي لطبيعة الأدوار الإدارية المتجددة. وهذه المهارة صارت مطلبا أساسيا للمؤسسات عند توظيف الأشخاص خاصة للمناصب القيادية، وهي المهارة الأكثر أهمية في توظيف الموارد البشرية بحسب استطلاع لينكد إن، ولا حاجة للقول إن المنظمات الحديثة في غنى عن القيادات الجامدة العاجزة عن اتخاذ قرارات وتبني أساليب متوافقة مع كمية المتغيرات المتسارعة حولها. ذلك لأن الدور القيادي يتطلب من صاحبه إدارة متفاعلة مع التغيير، ومستوعبة تماما للأحداث والأزمات، وقادرة جدا على إدارة الظروف غير المتوقعة حين تعبر أجواءها.

إن الوجه الحقيقي للإدارة التي تنعدم فيها المرونة هو مثال بشع للإدارة، إذ يترسخ الجمود الإداري والانغلاق الفكري لدى قادتها، ولا تستطيع أن تتخذ رأيا ولا تصنع قرارا إلا بأساليب روتينية تقليدية متأخرة كثيرا في التوقيت. وبطبيعة الحال فإن الإدارات القائمة على الأساسات التقليدية فقط لا يمكن أن تنافس أو تحقق نجاحا إن لم يكن لديها إدارة مرنة. في حين أن السمات الأبرز للإدارات المتميزة تتلخص في المرونة والانفتاح وتقبل التغيير والاختلاف، والاستمرار بالتطور والنمو، ولا تقبل أن تنكفئ على ذاتها وتنغلق داخل إطارها القديم.

ماذا تتطلب المرونة الفكرية؟

من أهم ما يميز الأشخاص الذين يمتلكون المرونة الفكرية في بيئات العمل تقبلهم للتغيير، واحترامهم لتجارب الفشل التي خاضوها، وانشغالهم الدائم بفكرة التعلم للأشياء الجديدة، واستعدادهم لخوض تجارب أكثر ما دامت تكسبهم خبرات ومهارات جديدة. هذه المرونة الفكرية تؤثر إيجابا على القادة والموظفين وتشجع لديهم الرغبة في العمل الجماعي، والانتباه للتفاصيل والتفكير النقدي وتولد لديهم مهارات البحث وحب المعرفة. كما أن امتلاك المنظمات لمهارات المرونة يبعث لدى أصحابها الشعور بالإيجابية والتقبل والقدرة على إدارة الأزمات والضغوط والتوقعات والمشاعر، فتؤثر كثيرا في مستويات النضج الفكري لدى الشخص المنتمي إليها وتجعله مبادرا مقبلا ومتقبلا لتجربة أمور متنوعة جديدة لم تكن مألوفة له سابقا، مما يسهم في تطور أساليب عمله وتعاملاته. ومثل هذه الأشياء تؤكد على ضرورة التعلم والتدريب والاهتمام بهذه المهارات وتطويرها للجميع.

من جميل ما قرأت عن المرونة الفكرية ما ذكره الدكتور القصيبي بعد لقائه بوزير التخطيط في وقته هشام ناظر، حين كتب: «خلال تلك المقابلة تبينتُ في هشام ناظر تلك الخصيصة التي يندر وجودها عند البيروقراطيين والتكنوقراطيين وهي المرونة الفكرية». وإن كانت تلك المرونة أسرت القصيبي فكتب عنها، فلا شك أن روعة التعامل مع العقليات المرنة شيءٌ آسر لنا جميعا، إذ نظل نذكر ونتمنى ونبتهج بالتعامل معها كل مرة.

@darifi_