الرأي

الأكاديمي المسترزق في جيوب الأبرياء!

بندر الزهراني
يقول أحد الزملاء: عندما كنت طالبا في الجامعة طلب منا أحد الأساتذة شراء كتابه كمقرر للمادة وشرط أساسي للاستمرار في الدراسة معه، فكنا بين مُرّين أحلاهما علقم، فإما كتابه وإما الانسحاب، كان ثمن الكتاب تسعين ريالا، لم تكن بحوزتي في ذلك الوقت، وكان شراء الكتاب بالنسبة لي يبدو أمرا مستحيلا، وكنت أحاول مع بعض الزملاء ممن هم في مثل حالتي أن نتشارك في المطالعة مع زملائنا الذين اشتروا الكتاب، فلم تنجح محاولاتنا، إذ إن الأستاذ كان يمر على كل طالب ليتأكد بنفسه من وجود الكتاب معه!

ثم يقول: من المفارقات أنني بعدما أصبحت أستاذا في الجامعة جمعتني الصدفة بذلك الأستاذ في أحد اللقاءات الرسمية، وكنت كلما نظرت إليه أتذكر كتابه التحفة الذي ألزمنا إياه، وبالقوة أجبرنا على شرائه، وكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها له ولا للناس، والعجيب أنه كان مسؤولا في الجامعة عن الجودة والاعتماد الأكاديمي وكان ينظُر لتغيير المناهج وتطوير المقررات!

قد يظن البعض أن هذه «الكائنات الأكاديمية» انقرضت ولم يعد لها في جامعاتنا وجود أو أثر، خاصة بعد التطور التقني الهائل وسهولة الحصول على المعلومة ووفرة الكتب الالكترونية، ولكن هذا ليس صحيحا بالمطلق، بل هي تزداد شراهة ونموا، وتتحور تحورا ذاتيا كما هي السلالات الفيروسية، وتتكاثر مسوخا في ظل تراخي تطبيق الأنظمة وتعطيل مواثيق الشرف الأكاديمي!

أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الأكاديمي بعد أن يتجرد من الأخلاق والأعراف الأكاديمية والمبادئ المثلى هو أن يسعى لتكبير لقمته على حساب مكافأة طالب مسكين، ويستخدم في سعيه هذا مكانته الوظيفية وحاجة الطالب إليه، فيتحول من أكاديمي محترم إلى لص محترف ومن فيلسوف مبجّل إلى مسترزق مهين، وبدل أن يستثمر في عقول طلابه ينحرف استثماره إلى جيوبهم وفتات مكافآتهم!

ومما يلاحظ أن أي كتاب جامعي له أربعة مؤلفين أو أكثر لا يخرج مؤلفوه عن خانة المستثمرين في جيوب الطلاب إلا فيما قل وندر، وفي حالات كثيرة بعض المؤلفات تُنسب للأقسام العلمية أو تُنسب لمجموعة من أعضاء القسم دون ذكر أسمائهم لإضفاء الشرعية والمصداقية على مؤلفاتهم، وهذا نوع من استغلال حقوق الأقسام المعنوية والمالية، ولأن جامعاتنا كمؤسسات تعليمية ما تزال خارج نطاق الوعي الاستثماري والمنافسات المالية نجدها لا تهتم لمثل هذه الأمور وتعتبرها من الفضول.

وإلى ما قبل كورونا ودور النشر العالمية الكبيرة تسوّق لمنتجاتها من الكتب والأدوات في الجامعات المحلية وتحاول بكل ما أوتيت من قوة التواجد والاستثمار في الجيوب الطلابية البريئة، مع الفارق الكبير في المحتوى العلمي والمظهر الخارجي للكتاب الأجنبي إذا ما قورن بالكتاب المحلي، وفي كثير من الأحيان يُقابل هذا الحماس الأجنبي بفتور وخمول في مراكز النشر والتوزيع التابعة للجامعات المحلية، حيث تنحصر معظم أعمالها في طباعة بطاقات الأعمال و«بروشورات» احتفالات ومناسبات الجامعات لا أكثر!

بالطبع لسنا ضد تسويق الكتب الجامعية المفيدة، ولا ضد الاستثمار فيها، ولكننا ضد إلزام الطالب بشراء هذا الكتاب أو ذاك، وضد استخدام الصفات الاعتبارية والحقوق المعنوية للجامعات والأقسام العلمية فيما يخدم أغراض ومصالح بعض المرتزقة! ونحن بلا أدنى شك مع دعم المؤلفين المحليين ودعم مراكز النشر الجامعية دعما ماديا حتى تتطور وتصبح قادرة على المنافسة الحقيقية.

ألا تلاحظون معي أنه وعلى الرغم من مجيء بعض جامعاتنا متقدمة في التصنيف الدولي للجامعات بسبب النشر والبحث العلمي، إلا أنها ما تزال متأخرة في تأليف ونشر الكتب الجامعية الجيدة! ألا تدعونا هذه المفارقة العجيبة على الأقل لنتساءل كيف يتلاعبون بعقول الناس في مسألة التصنيف!

drbmaz@