هل عبدالله القصيمي وعبدالرحمن منيف جزء من تراثنا؟
الخميس / 13 / رجب / 1442 هـ - 21:10 - الخميس 25 فبراير 2021 21:10
لا يزال الجدل مستمرا حول الكاتبان السعوديان عبدالله القصيمي (1907م -1996م) وعبدالرحمن منيف (1933م – 2004م).
جدل وجدت نفسي أخوضه في حوار مع أحد الأصدقاء. حوار جدي وثري أراه مفيدا للمشاركة.
أساسه كان السؤال في عنوان المقال: هل القصيمي ومنيف جزء من تراثنا؟
كان لصديقي رأي في القصيمي ينطلق من شخصية الكاتب بدلا من سيرته الأدبية.
برأيه أنه كان رجلا ملحدا ونزقا يحتاج إلى محلل نفسي أولا.
ولا يرى أن التراث السعودي يجب الاحتفاء به.
وأن الاحتفاء بالقصيمي شيء غير مشرف.
مضيفا أنه لربما مل الناس من ضغط التيار الديني فاحتفوا بشخص خرج على الدين ذاته.
ليصل في حديثه وبلهجة قطعية أن مشكلة القصيمي مع الأرض وليست مع السماء كما وصفه الأستاذ عبدالله عبدالجبار.
مؤكدا أن القصيمي حارب السماء في كتاباته. مستدلا بكلام الأستاذ جورج طرابيشي في كتابه «المثقفون والتراث» بأنه، أي القصيمي، أشهر ملحد في الثقافة العربية.
أما منيف فاكتفى بوصفه كعلامة فارقة ورقم صعب في كتابة الرواية. وأن منسوبه الثقافي غير سعودي لأن ولادته وتربيته شامية عراقية.
فبذلك هو أديب عربي بالرغم من مواقفه السياسية.
مكملا أن الجمع بينه والقصيمي موضع نظر.
وأن الثقافة السعودية أجحفت في حقه حين اختلطت السياسة بالأدبي والثقافي.
قائلا إننا نفخر بسعوديته إذا أردنا البحث عن أمجاد. وإذا عدنا إلى وعينا نلنا منه.
مضيفا أن هذا التناقض يجسد شخصية منيف.
فهو كان ينظر إلى نفسه على أنه «المواطن العربي الوحيد» لأنه كان في يوم بلا جنسية.
أجبته بأن عبدالله القصيمي وعبدالرحمن منيف لم يكونا مثقفين فحسب.
بل شكلا ثنائيا أدبيا كامل الدسم لناحية الإثارة في العلاقة بين الثقافة والدين والنفط.
أو كما يصفها المثقفون العلاقة بين الحداثة والأصالة.
هي عبارة عن صورة لرجلين من وسط صحراء الجزيرة العربية (هنا استدرك الصديق مشددا أن القصيم واحة وليست صحراء) اقتحما الصالونات الأدبية في الشام ومصر بخطى لا تزال تسمع في أروقة المثقفين العرب.
حيث لا يكاد يمر حديث في بيروت أو القاهرة أو غيرها من العواصم العربية دون المرور على رواية «مدن الملح» لمنيف أو مقولة «العرب ظاهرة صوتية» للقصيمي.
وكأنما الهوية الأدبية للجزيرة العربية قد اقترنت بهذا الثنائي في أذهان بعض المثقفين العرب خارج حدود دول الخليج العربي.
لم أعرف من الرجلين غير ما كتباه وما قيل عنهما. وأجد أن ما يقال أصبح اليوم رفضا لسيرة اقتحمت تراثنا. فهل نستطيع إنكار أننا أمام سعوديين دخلا التراث من بابه الثقافي؟
ألم يكن عبدالرحمن منيف سباقا بروايته «مدن الملح» التي تعد الوثيقة الأدبية الأولى انتشارا عن حكاية العلاقة بين البداوة والنفط؟ أما آن الأوان لخوض النقاش وحسم المسألة؟
تحديدا وأننا أمام رجلين أودعا ما في جعبتهما الفكرية المكتبة العربية؟ هل هما جزء من تراثنا؟
سألت صديقي. لأكمل بأنني لا أتحدث هنا عن مجرمين أو خارجين عن القانون.
ولا أنوي المحاسبة على النيات كما شدد صديقي عند وصفه القصيمي. ألم يكفر الكاتب المصري الحائز جائزة نوبل للأدب نجيب محفوظ؟ ومع ذلك تظل رواية «أولاد حارتنا» جزءا من التراث العربي ككل؟
أجاب صديقي بأن محفوظ يختلف عن القصيمي لأن الأول أخرج عملا أدبيا كما فعل منيف.
المقارنة بين الرجلين ليست وظيفة هذه المقالة. ولا حتى بين عبدالرحمن منيف وعبدالله القصيمي. ولو أنني أعتقد أن منيفا ومحفوظا قامات بمقابل القصيمي.
لكن ما يجمع بينهما في أذهاننا هو اللغط والصورة المشوهة فقط. وقد أسرف البعض بدافع الإقصاء بأن أنكر عليهما الانتماء الوطني بالإضافة إلى تهمة الإلحاد. وكأن الهوية الدينية تتأتى من جنسية حاملها.
هناك من أنكر على القصيمي نجديته (انتماءه لمنطقة وسط الجزيرة العربية نجد) لتبرير تحديه المنظومة الثقافية السائدة يومها. حيث أكد بعض من عرفه أنه كان رجلا مؤمنا وليس ملحدا. هذا ما قاله لي أحد أحفاده بعدما اكتفى بوصف حجم التشويه العنيف الذي تعرضت له صورة جده.
كذلك ما أكده كثير من المثقفين السعوديين الذين عايشوا القصيمي بأنه لم يكن ملحدا، بل كان مغردا خارج السرب.
الحقيقة أن هذه الصورة المشوهة لا بد من معالجتها تراثيا، وإلا سنمارس عقلية الإقصاء ذاتها.
لا بد من إعادة قراءة سيرة الرجلين من الزاوية التاريخية دون الاكتفاء بالدراسات الأكاديمية لفكرهما فحسب. مراجعة منسوبهما الثقافي من صعوبات اقتصادية وتحولات اجتماعية بسبب اكتشاف النفط.
دون إغفال التحولات السياسية الجذرية التي مرت بها المنطقة العربية وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
إعادة قراءة لا يكون الغرض منها تبرئة الرجلين من مواقفهما السياسية أو الدينية. بل لأجل ما قدماه لخزانة المكتبة العربية من مؤلفات ومقالات أصبحت جزءا من تراثنا شئنا أم أبينا. هذه المراجعات التراثية تقوم بها المجتمعات حفاظا على القيمة وليس من باب التقييم.
تحديدا حين تكون مراجعة متعلقة بالوجدان الجمعي. عندها تصبح الصورة، أي صورة تراثية، أكثر انسجاما مع الماضي.
في آخر الحوار وافقت صديقي أن عبدالرحمن منيف جزء من التراث الأدبي السعودي. ليبقى الجدل حول عبدالله القصيمي مع إيماني بأن ما نثبته على منيف يمكن أن نثبته على القصيمي.
واتفقنا على أن تأثير الرجلين يسري في العروق السعودية، كل العروق من أدب وفن وتراث وحتى اللغط إن اعتبرناه يعكس نوعا من أنواع الثقافة.
ولأن صورة عبدالله القصيمي وعبدالرحمن منيف تملك من القوة الكثير، فلا بد من توظيف هذه القوة الناعمة عند الحديث عن تراث بلدنا الحبيب مع تحييد سلبياتها.
الموضوع لا يتعلق بالأشخاص ومواقفهم من قضايا زمنية. الزمن الذي كان فيه قدر الجيل أكبر من أفكار الفرد.
وبما أن لكل جيل قدره، شاءت الأقدار أن يكون عبدالله القصيمي مثيرا للجدل، بينما قدر لعبدالرحمن منيف أن يكون روائيا متأثرا بتجربة جيله.
جدل وجدت نفسي أخوضه في حوار مع أحد الأصدقاء. حوار جدي وثري أراه مفيدا للمشاركة.
أساسه كان السؤال في عنوان المقال: هل القصيمي ومنيف جزء من تراثنا؟
كان لصديقي رأي في القصيمي ينطلق من شخصية الكاتب بدلا من سيرته الأدبية.
برأيه أنه كان رجلا ملحدا ونزقا يحتاج إلى محلل نفسي أولا.
ولا يرى أن التراث السعودي يجب الاحتفاء به.
وأن الاحتفاء بالقصيمي شيء غير مشرف.
مضيفا أنه لربما مل الناس من ضغط التيار الديني فاحتفوا بشخص خرج على الدين ذاته.
ليصل في حديثه وبلهجة قطعية أن مشكلة القصيمي مع الأرض وليست مع السماء كما وصفه الأستاذ عبدالله عبدالجبار.
مؤكدا أن القصيمي حارب السماء في كتاباته. مستدلا بكلام الأستاذ جورج طرابيشي في كتابه «المثقفون والتراث» بأنه، أي القصيمي، أشهر ملحد في الثقافة العربية.
أما منيف فاكتفى بوصفه كعلامة فارقة ورقم صعب في كتابة الرواية. وأن منسوبه الثقافي غير سعودي لأن ولادته وتربيته شامية عراقية.
فبذلك هو أديب عربي بالرغم من مواقفه السياسية.
مكملا أن الجمع بينه والقصيمي موضع نظر.
وأن الثقافة السعودية أجحفت في حقه حين اختلطت السياسة بالأدبي والثقافي.
قائلا إننا نفخر بسعوديته إذا أردنا البحث عن أمجاد. وإذا عدنا إلى وعينا نلنا منه.
مضيفا أن هذا التناقض يجسد شخصية منيف.
فهو كان ينظر إلى نفسه على أنه «المواطن العربي الوحيد» لأنه كان في يوم بلا جنسية.
أجبته بأن عبدالله القصيمي وعبدالرحمن منيف لم يكونا مثقفين فحسب.
بل شكلا ثنائيا أدبيا كامل الدسم لناحية الإثارة في العلاقة بين الثقافة والدين والنفط.
أو كما يصفها المثقفون العلاقة بين الحداثة والأصالة.
هي عبارة عن صورة لرجلين من وسط صحراء الجزيرة العربية (هنا استدرك الصديق مشددا أن القصيم واحة وليست صحراء) اقتحما الصالونات الأدبية في الشام ومصر بخطى لا تزال تسمع في أروقة المثقفين العرب.
حيث لا يكاد يمر حديث في بيروت أو القاهرة أو غيرها من العواصم العربية دون المرور على رواية «مدن الملح» لمنيف أو مقولة «العرب ظاهرة صوتية» للقصيمي.
وكأنما الهوية الأدبية للجزيرة العربية قد اقترنت بهذا الثنائي في أذهان بعض المثقفين العرب خارج حدود دول الخليج العربي.
لم أعرف من الرجلين غير ما كتباه وما قيل عنهما. وأجد أن ما يقال أصبح اليوم رفضا لسيرة اقتحمت تراثنا. فهل نستطيع إنكار أننا أمام سعوديين دخلا التراث من بابه الثقافي؟
ألم يكن عبدالرحمن منيف سباقا بروايته «مدن الملح» التي تعد الوثيقة الأدبية الأولى انتشارا عن حكاية العلاقة بين البداوة والنفط؟ أما آن الأوان لخوض النقاش وحسم المسألة؟
تحديدا وأننا أمام رجلين أودعا ما في جعبتهما الفكرية المكتبة العربية؟ هل هما جزء من تراثنا؟
سألت صديقي. لأكمل بأنني لا أتحدث هنا عن مجرمين أو خارجين عن القانون.
ولا أنوي المحاسبة على النيات كما شدد صديقي عند وصفه القصيمي. ألم يكفر الكاتب المصري الحائز جائزة نوبل للأدب نجيب محفوظ؟ ومع ذلك تظل رواية «أولاد حارتنا» جزءا من التراث العربي ككل؟
أجاب صديقي بأن محفوظ يختلف عن القصيمي لأن الأول أخرج عملا أدبيا كما فعل منيف.
المقارنة بين الرجلين ليست وظيفة هذه المقالة. ولا حتى بين عبدالرحمن منيف وعبدالله القصيمي. ولو أنني أعتقد أن منيفا ومحفوظا قامات بمقابل القصيمي.
لكن ما يجمع بينهما في أذهاننا هو اللغط والصورة المشوهة فقط. وقد أسرف البعض بدافع الإقصاء بأن أنكر عليهما الانتماء الوطني بالإضافة إلى تهمة الإلحاد. وكأن الهوية الدينية تتأتى من جنسية حاملها.
هناك من أنكر على القصيمي نجديته (انتماءه لمنطقة وسط الجزيرة العربية نجد) لتبرير تحديه المنظومة الثقافية السائدة يومها. حيث أكد بعض من عرفه أنه كان رجلا مؤمنا وليس ملحدا. هذا ما قاله لي أحد أحفاده بعدما اكتفى بوصف حجم التشويه العنيف الذي تعرضت له صورة جده.
كذلك ما أكده كثير من المثقفين السعوديين الذين عايشوا القصيمي بأنه لم يكن ملحدا، بل كان مغردا خارج السرب.
الحقيقة أن هذه الصورة المشوهة لا بد من معالجتها تراثيا، وإلا سنمارس عقلية الإقصاء ذاتها.
لا بد من إعادة قراءة سيرة الرجلين من الزاوية التاريخية دون الاكتفاء بالدراسات الأكاديمية لفكرهما فحسب. مراجعة منسوبهما الثقافي من صعوبات اقتصادية وتحولات اجتماعية بسبب اكتشاف النفط.
دون إغفال التحولات السياسية الجذرية التي مرت بها المنطقة العربية وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
إعادة قراءة لا يكون الغرض منها تبرئة الرجلين من مواقفهما السياسية أو الدينية. بل لأجل ما قدماه لخزانة المكتبة العربية من مؤلفات ومقالات أصبحت جزءا من تراثنا شئنا أم أبينا. هذه المراجعات التراثية تقوم بها المجتمعات حفاظا على القيمة وليس من باب التقييم.
تحديدا حين تكون مراجعة متعلقة بالوجدان الجمعي. عندها تصبح الصورة، أي صورة تراثية، أكثر انسجاما مع الماضي.
في آخر الحوار وافقت صديقي أن عبدالرحمن منيف جزء من التراث الأدبي السعودي. ليبقى الجدل حول عبدالله القصيمي مع إيماني بأن ما نثبته على منيف يمكن أن نثبته على القصيمي.
واتفقنا على أن تأثير الرجلين يسري في العروق السعودية، كل العروق من أدب وفن وتراث وحتى اللغط إن اعتبرناه يعكس نوعا من أنواع الثقافة.
ولأن صورة عبدالله القصيمي وعبدالرحمن منيف تملك من القوة الكثير، فلا بد من توظيف هذه القوة الناعمة عند الحديث عن تراث بلدنا الحبيب مع تحييد سلبياتها.
الموضوع لا يتعلق بالأشخاص ومواقفهم من قضايا زمنية. الزمن الذي كان فيه قدر الجيل أكبر من أفكار الفرد.
وبما أن لكل جيل قدره، شاءت الأقدار أن يكون عبدالله القصيمي مثيرا للجدل، بينما قدر لعبدالرحمن منيف أن يكون روائيا متأثرا بتجربة جيله.