الرأي

قطع ألسنة الشعراء!

أحمد الهلالي
في مقالة (سجدة الشعر) ذكرت بعض مظاهر انفعال متلقي الشعر وتعبيره عن انفعاله بالثناء أو بالعطاء، أما في هذه المقالة فإن الانفعال يأتي عكسيا؛ لأن الشاعر أثار غضب المتلقي وحنقه، وسيكون جزاء الشاعر الأذى، وليس الحديث عمن (قتلهم شعرهم)، ففي هذا الباب كتاب وافٍ لسمير فراج، بل يتجه الحديث إلى جزاء مرعب وقع على بعض الشعراء، لا تخفى رمزيته الدائرة حول مقولة (الشاعر لسان قومه) فكان الجزاء الأوفى في رأي فاعليه معاقبة (لسان) لسان القوم.

شهيرة قصة سجن الفاروق للحطيئة، حين كاد أن يقطع لسانه بالموس، ثم عدل إلى قطعه بالمال فاشترى منه أعراض المسلمين، أما الشاعر الأندلسي أبو المخشى العبدي، فقد شقي بامتداح سليمان بن عبدالرحمن الداخل، ومقارنة سعة معرفته وحكمته حين قال:

وليس كمن إذا ما سِيل عُرفًا

يقلّب مقلةً فيها اعورارُ

ففهم الأمير هشام أخو الممدوح أن الشاعر يعرّض بعينه (الحولاء) فدعاه إلى قصره، وأمر به فسُملت عيناه، وقطع لسانه، فغضب عبدالرحمن الداخل من فعلة ابنه، وأكرم الشاعر، لكنه قاسى ويلات محنته حتى مات.

وفي عام 1913م قطع الأمير زامل السبهان لسان الشاعر الشعبي الشهير عياده بن منيس الخريصي، بعدما قال قصيدة تحرض على الأخذ بالثأر بعد فتنة قبلية بالكاد أطفأها الأمير ودفع ديات القتلى، فأقسم أن يقتل الشاعر، ثم حين همّ بقتله؛ أقسم أبناء قبيلته ألا يشبوا النار عامين في بيوتهم، فخفف الحكم إلى قطع لسانه، وعاش بلثغة بينة، فذكر لسانه في معرض قصيدة له:

ولساني اللي طار مثل الشرارة

بديوان شمر خالطه بعض الاجناب

ولساني اللي ما نصى بنت جاره

ولا هو غثيثٍ دابلٍ كبد الاقراب

والشاعر السوري العلوي حسن الخير، كتب قصائد تهاجم فساد السلطة، وفي 1979م هجا نظام الأسد والإخوان المسلمين في تأبين صديقه المقتول في قصيدته (ماذا أقول) فضايقه رفعت الأسد حتى أفقره، ثم اختفى الشاعر، وقيل إن المخابرات قطعت لسانه، وقيل إنه قتل تحت التعذيب، فأطلق عليه المثقفون لوركا العرب، محاكاة لقصة الشاعر الإسباني لوركا الذي أمر بإعدامه خوسيه غوزمان حاكم غرناطة رميا بالرصاص عام 1936م في الحرب الأهلية، ومن قصيدة الخير قوله:

لكنني ومصير الشعب يدفعني

سأنطق الحق إن شاؤوا وإن غضبوا

عصابتان هما: إحداهما حكمت

باسم العروبة لا بعثٌ ولا عرب

وآخرون لباس الدين قد لبسوا

والدين حرّم ما قالوا وما ارتكبوا

ومؤخرا في مايو 2011م، غررت مجموعة من عناصر أحزاب اللقاء المشترك بالشاعر الشعبي اليمني وليد محمد الرميشي (26 عاما)، فخدعوه بأنه سيلقي قصيدة على الفضائية اليمنية، وحين لقيهم اختطفوه واحتجزوه وقطعوا ثلثي لسانه؛ لأنهم ضاقوا ذرعا بقصائده التي تعرض بهم وتؤيد الحزب الحاكم بقيادة علي صالح.

وعلى ما سبق، فإن العنف والوحشية ضد الشعراء الذين لا يحملون سلاحا إلا الكلمة حالة لا يمكن تبريرها، وإن حملت لغة الشعراء عنفا انفعاليا تجاه مواقف أو قضايا، فلا يبرر ذلك الإيذاء الجسدي كما مر بنا في الأمثلة السابقة، فقدر الشعراء أنهم حساسون، ومتمردون بالمعنى الشعري للتمرد، ولا يستطيعون القبض على جمر الكلام في أعماقهم، ومهما كان، فهم لا يستحقون ما نالهم من أذى.

ahmad_helali@