الرأي

«كورونا» فرصة الحياة الأخيرة للصحف

عبدالقادر عياد
تزداد شراسة المعركة الوجودية للصحف كل عام، وتستمر محاولات التشبث بالحياة عبر مواجهة تناقص الإيرادات، بتسريح الموظفين، وتقليص مقرات العمل، وإيقاف الورق مع محاولات التحول الرقمي، وخلق مداخيل جديدة تعوض غياب الإعلانات.

حول العالم، يستشرف دهاقنة الصحافة مصير صنعتهم، وما قد يواجهونه خلال 2021، واضعين أمامهم «تعزيز الثقة، والبحث عن المال، والوصول للجمهور» كأبرز التحديات التي يجب التعامل معها، متفائلين بما فرضته جائحة كورونا من اهتمام بموثوقية الصحف وسمعتها.

فرصة «كورونا» للصحافة

وفيما فرضت جائحة كورونا، وما تطلبته من إجراءات، واقعا غير مسبوق أمام الجميع، بمن فيهم صنّاع الصحف، منحت الجائحة بعض الأكسجين لصاحبة الجلالة، أعطتها فرصة الوجود في ذات المشهد الذي تتسيده الوسائل الأسرع والأوثق والأكثر جماهيرية. كانت «الموثوقية» هي رئتها للحياة.

على الصعيد المحلي، استعادت الصحف بعض بريقها خلال فترة الحظر التي رافقت الجهود الجبارة للأجهزة الحكومية في مواجهة الجائحة، بعد أن كشف غياب الخبرة والوعي بالعمل الإعلامي العقبة الأولى دون نجاح الاستعانة بمشاهير «السوشيال ميديا».

سمحت بطاقة «إعلامي» التي وزعتها وزارة الإعلام بشكل متعجل لـ«السنابيين» بالدخول في معترك العمل الصحفي، وخولتهم حق المشاركة في التغطية الإعلامية وإيصال المعلومات للجمهور. ثم جاءت مقاطع الفيديو، التي انتشرت لبعضهم وهم يقفون بجوار أفراد الأمن عند نقاط الحظر؛ هزلية وغير مسؤولة، في الوقت الذي يحاولون فيه نقل التوجيه الرسمي الجاد والمتسق مع خطورة الجائحة وضرورة الالتزام بضوابط التعامل معها.

اختلط الأمر على «مشاهير السناب» الذين اعتادوا بث يومياتهم المرتجلة بأسلوب تلقائي لا يتقيد بأي معايير صحفية تأخذ في الحسبان سلوك الجماهير وما قد يعتريه من تأثر إزاء المادة المقدمة، ودقة المعلومات والتوجيهات وتوقيتاتها، والمحاذير الطبية والنصائح الوقائية.. كل ذلك كان عرضة للتشويه والخلل.

الثقة التي تتمتع بها الصحف لدى المتلقين ساهمت في دفعها قليلا نحو المشهد، حين حصرت الجهات المسؤولة، سريعا، مهمة تغطية إجراءات الحظر للصحفيين المنتمين للمؤسسات الصحفية المعروفة، وكانت النتيجة لافتة مع نجاح التغطية الصحفية للإجراءات الوقائية وانصياع المجتمع للقيود التي استدعتها الجائحة.

التكيف بعد التخمة المالية

ماليا، وحتى عام 2017، كانت الصحف السعودية، بمؤسساتها التي تفتقد معظمها للحوكمة ومعايير الشفافية، تستأثر بنصيب الأسد من إجمالي الإنفاق الإعلاني الذي يتجاوز المليار دولار. وتوزع أرباحها بسخاء على المساهمين، فيما لا يكشف واقع الحال عن أي استثمارات نوعية لمواجهة تقلبات الزمن.

مع حلول عام 2019 تراجع نصيب إعلانات الصحف إلى المرتبة الرابعة بعد الرقمي ثم التلفزيوني وأخيرا الـ OutDoor، وذلك بحسب تقديرات «إبسوس».

شركة الأبحاث إبسوس أكدت أن المزاعم التي تتحدث عن موت الصحف غير دقيقة، إذ ما زالت الأخيرة تشكل واحدة من كبرى وسائل الإعلام. مستدركة بأن المشكلة التي تواجهها الصحف تتلخص في كونها كانت تدر أموالا أكثر بكثير مما تنفقه، ومع تراجع أرقام الأرباح بدأت تتضح تلك الفجوة الكبيرة والتكاليف المرتفعة. منوهة إلى أن الأمر لا يتطلب أكثر من القدرة على التكيف والموازنة.

التكيف الذي اقترحته إبسوس عام 2019م لم يكن مجديا كما يبدو، إذ شهد عام 2020 محاولات مستميتة للبقاء على قيد الحياة التي تحتاج إلى التكيف وليس القوة والذكاء كما يقول غاندي. استغلت معظم الصحف السعودية جائحة كورونا، ليس لتعزيز الثقة وإثبات الحضور، وإنما لتقليل نفقاتها إلى الحد الأدنى، بالاعتماد على العمل عن بعد، وتقليص أو إغلاق المقرات، وبيع بعضها، والاعتماد على كتاب كرماء يكتبون مقالاتهم بلا مقابل، وصحفيين متواضعين لا يطلبون الأجر ولا يُطالبون بالجودة والمهنية غالبا.

كان كل ذلك يأتي على حساب المحتوى الذي بات - في معظمه - خليطا من بيانات العلاقات العامة الموزعة، والإعلانات التحريرية المدفوعة، والكتابات الإنشائية التي تستهدف «الشرهات» وليس المقروئية.

حياة بلا روح

سعيا للبقاء وحسب، غامرت الصحف السعودية بميزتها الأخيرة «الثقة» وهي تتخلى، طوعا أو كرها، عن كوادرها المهنية المميزة، وتتنازل، خوفا أو طمعا، عن مهمتها الرئيسة كسلطة رابعة، وواصلت تجديفها في الاتجاه الخاطئ، عبر حضور غير مؤثر، ومحتوى لم ينجح باستعادة القارئ، أو جذب المعلن.

في الجانب الآخر من العالم، اعتبر معهد رويترز لدراسة الصحافة أن عام 2021 سيعزز من جمهور الصحف، لافتا إلى أن «كورونا» أعاد التفكير في مسألة الموثوقية مع تعرض الأرواح للخطر، إثر المحتوى الرقمي الضار والمعلومات غير الدقيقة.

ووفق التقرير الذي نشره نيك نيومان، الباحث الأول بالمعهد، فإن انتشار المعلومات غير الدقيقة في الأوساط الرقمية، إبان الجائحة، دفع نحو زيادة الاهتمام بالصحف الإخبارية الموثوقة.

آمن خبراء الصحافة حول العالم بأن الرهان يجب أن يكون على جودة المحتوى وموثوقيته وسمعة الصحف. رأوا في الجائحة فرصة مهمة لعرض ما لديهم. وحددوا مسالك النجاة بالعمل على عدة مهام، من بينها: ابتكار المحتوى الحصري ذي الجودة العالية، التركيز على مناقشة الحلول والمشكلات التي يهتم بها المجتمع، الوصول إلى الجماهير بطرق جديدة، وأخيرا تبني الكتّاب المتخصصين والجماهيريين في المنصات الاجتماعية.

ما يحدد مصير الصحف السعودية خلال هذا العام أو ما يليه، إن كتب لها طول العمر؛ هو مدى قربها أو بعدها عن مسالك النجاة تلك، والرهان هنا على حسن التعامل مع هذه المحنة التي ربما تحمل في طياتها منحة تصحح مسار الصحف، بمؤسساتها وأنظمتها وأسلوب إدارتها، وقبل ذلك بمن تسببوا في واقعها.

خطط قادة صحف عالمية لعام 2021:

(بحسب معهد رويترز لدراسات الصحافة)
  • تسريع خطة التحول الرقمي
  • التركيز على القارئ
  • زيادة الاشتراكات الرقمية
  • تنويع مصادر الإيرادات
  • تعزيز النزاهة والجودة
  • السعي نحو الدعم الحكومي
  • زيادة مطالبة المنصات الرقمية بالدفع مقابل المحتوى الإخباري


@agbalawi