هل تناقض الأيديولوجيا ذاتها؟
الخميس / 22 / جمادى الآخرة / 1442 هـ - 21:03 - الخميس 4 فبراير 2021 21:03
على الرغم من ارتباط الأذهان بمفهوم الأيديولوجيا الشائع، كونها تتشكل كإطار ذهني متزمت تجاه أفكار معينة، إلا أن الحالة قد شهدت مفارقات ذهنية متناقضة وتصادمية حول هذا المعنى، أي إن الأيديولوجيا لم تعد تتشكل بسياقها التاريخي المعهود عنها!
فالحاضنة الثقافية والاجتماعية قد تسهم في إعادة تشكيل الأيديولوجيا حسب خلفياتها التاريخية، وربما تحولها إلى درجة التناقض والتباين، فالمذهب الحنفي المعروف بسماحة فتاويه وعدم تشدد آرائه الفقهية قد تحول مثلا على يد جماعة طالبان الأفغانية كما يقول الأستاذ البليهي إلى أعقد المذاهب، وقد فرض على مجتمعه بهذا المذهب قيودا اجتماعية صارمة، بينما المذهب الإباضي المتشدد أساسا في كينونته ونشأته قد تروض على يد الحاضنة الثقافية العمانية المتسامحة إلى أنموذج اجتماعي رائع للتعايش الإنساني.
في بداية تسعينات القرن الماضي، شن الدعاة الصحويون حملات منبرية شعواء ضد صحون الالتقاط الفضائية (الدشوش) وجيروها ثقافيا كمسائل عقدية تتعلق بدرجة إيمان المرء ونفاقه، بل وأصدروا تلك الفتاوى التي تحرم مشاهدة تلك القنوات الإعلامية أو الظهور فيها، لكننا شهدنا انقلابا سلوكيا مفاجئا في بداية الألفية الجديدة بظهور أولئك الدعاة على تلك القنوات المحرمة سلفا، بل إن ظهورهم قد تجاوز القنوات الدينية المتخصصة إلى تلك المغايرة لأيديولوجيتهم الصحوية، وقد بلغ المشهد حينها أعلى درجات التباين الصارخة في درجة التنافس المستعر بين أولئك الدعاة حول أجورهم الباهظة في قيمتها ولو كانت مصادرها المالية قد تولدت من شركات إعلانية تتناقض كليا مع أيديولوجيتهم الصحوية!
الحديث حول هذه الظاهرة لا يختص بثقافة معينة فحسب، بل هي ظاهرة عالمية نلمحها بجلاء عند حديثنا عن المفارقة العجيبة بين مفهومي الرأسمالية والاشتراكية، فالولايات المتحدة كما هو معهود عنها دولة رأسمالية عرفت تاريخيا بالحيوية والمرونة والانفتاح، وهي اليوم تواجه الصين في معركة تجارية، وبسلوك يتنافى مع أبجديات الرأسمالية المنفتحة، فهي تفتعل الحجج وتختلق العقبات كما يقول الكاتب الصيني شوي تشينج عندما تحارب الشركات والمنتجات الصينية الناجحة،وتطردها من أسواقها المحلية مثل هواوي وتيك توك، بينما نجد أن الصين المعروفة بأيديولوجيتها الاشتراكية كدولة جامدة كما يتوهمها البعض قد أصبحت تفتح أسواقها للشركات الأمريكية بسخاء كأبل وتسيلا، بل وتقدم لها كل التسهيلات والحوافز المادية لكي تحقق هذه الشركات نجاحاتها.
أخيرا، لعل الأيديولوجيا لم تعد كما كانت بمفهومها وسياقها التاريخي، ففي بداية خمسينات القرن الماضي وضع ستيورات هويز مصطلح نهاية الأيديولوجيا تعبيرا عن مظاهر تراجع الشيوعية بنهاية عهد ستالين، لكن الحقيقة أن الأيديولوجيا ظلت صامدة حتى الآن، ولكنها تشهد تحولات متناقضة وتغيرات متناقضة أحيانا، يقول الكاتب صلاح سالم: وهكذا تكتسب الأيديولوجيا أشكالا مختلفة تتعلق بوظائف متناقضة، ما يعني أنها لم تنته فعلا وربما لن تنتهي أبدا، ولكنها تبارح دورا معينا يأتي في سياق مغاير ومتناقض، وتظل هكذا في عملية جدلية لا تقبل فكرة النهاية ولكنها تخضع لمبدأ التحول وإعادة التشكل.
albakry1814@
فالحاضنة الثقافية والاجتماعية قد تسهم في إعادة تشكيل الأيديولوجيا حسب خلفياتها التاريخية، وربما تحولها إلى درجة التناقض والتباين، فالمذهب الحنفي المعروف بسماحة فتاويه وعدم تشدد آرائه الفقهية قد تحول مثلا على يد جماعة طالبان الأفغانية كما يقول الأستاذ البليهي إلى أعقد المذاهب، وقد فرض على مجتمعه بهذا المذهب قيودا اجتماعية صارمة، بينما المذهب الإباضي المتشدد أساسا في كينونته ونشأته قد تروض على يد الحاضنة الثقافية العمانية المتسامحة إلى أنموذج اجتماعي رائع للتعايش الإنساني.
في بداية تسعينات القرن الماضي، شن الدعاة الصحويون حملات منبرية شعواء ضد صحون الالتقاط الفضائية (الدشوش) وجيروها ثقافيا كمسائل عقدية تتعلق بدرجة إيمان المرء ونفاقه، بل وأصدروا تلك الفتاوى التي تحرم مشاهدة تلك القنوات الإعلامية أو الظهور فيها، لكننا شهدنا انقلابا سلوكيا مفاجئا في بداية الألفية الجديدة بظهور أولئك الدعاة على تلك القنوات المحرمة سلفا، بل إن ظهورهم قد تجاوز القنوات الدينية المتخصصة إلى تلك المغايرة لأيديولوجيتهم الصحوية، وقد بلغ المشهد حينها أعلى درجات التباين الصارخة في درجة التنافس المستعر بين أولئك الدعاة حول أجورهم الباهظة في قيمتها ولو كانت مصادرها المالية قد تولدت من شركات إعلانية تتناقض كليا مع أيديولوجيتهم الصحوية!
الحديث حول هذه الظاهرة لا يختص بثقافة معينة فحسب، بل هي ظاهرة عالمية نلمحها بجلاء عند حديثنا عن المفارقة العجيبة بين مفهومي الرأسمالية والاشتراكية، فالولايات المتحدة كما هو معهود عنها دولة رأسمالية عرفت تاريخيا بالحيوية والمرونة والانفتاح، وهي اليوم تواجه الصين في معركة تجارية، وبسلوك يتنافى مع أبجديات الرأسمالية المنفتحة، فهي تفتعل الحجج وتختلق العقبات كما يقول الكاتب الصيني شوي تشينج عندما تحارب الشركات والمنتجات الصينية الناجحة،وتطردها من أسواقها المحلية مثل هواوي وتيك توك، بينما نجد أن الصين المعروفة بأيديولوجيتها الاشتراكية كدولة جامدة كما يتوهمها البعض قد أصبحت تفتح أسواقها للشركات الأمريكية بسخاء كأبل وتسيلا، بل وتقدم لها كل التسهيلات والحوافز المادية لكي تحقق هذه الشركات نجاحاتها.
أخيرا، لعل الأيديولوجيا لم تعد كما كانت بمفهومها وسياقها التاريخي، ففي بداية خمسينات القرن الماضي وضع ستيورات هويز مصطلح نهاية الأيديولوجيا تعبيرا عن مظاهر تراجع الشيوعية بنهاية عهد ستالين، لكن الحقيقة أن الأيديولوجيا ظلت صامدة حتى الآن، ولكنها تشهد تحولات متناقضة وتغيرات متناقضة أحيانا، يقول الكاتب صلاح سالم: وهكذا تكتسب الأيديولوجيا أشكالا مختلفة تتعلق بوظائف متناقضة، ما يعني أنها لم تنته فعلا وربما لن تنتهي أبدا، ولكنها تبارح دورا معينا يأتي في سياق مغاير ومتناقض، وتظل هكذا في عملية جدلية لا تقبل فكرة النهاية ولكنها تخضع لمبدأ التحول وإعادة التشكل.
albakry1814@