الرأي

الجامعات ومعدلات البطالة!

بندر الزهراني
هل الجامعات مصدر رئيس لنمو البطالة في المجتمع المحلي؟ يفترض أن تكون الإجابة: لا، فالجامعات في كل دول العالم ليست مصدرا لنمو البطالة، بل هي مصدر لنمو المجتمعات، ولكن واقع جامعاتنا يشي بعكس ذلك تماما، حيث يعتقد أن الجامعات المحلية شريك رئيس في النمو الحاصل لمعدلات البطالة، والسؤال المهم الذي يجب أن نبحث عن إجابته هو: كيف أصبحت جامعاتنا عاملا مؤثرا في تنامي معدلات البطالة؟ فإذا عرفنا كيف حدث ذلك استطعنا إيجاد الحلول، ولا بأس إن كانت حلولا جزئية في هذه المرحلة، فمع الوقت تتكامل الأدوار وتتضافر الجهود فنتخلص ولو نسبيا من مشكلة البطالة، التي هي في الواقع كارثة حقيقية تواجه المجتمعات قبل الحكومات.

كي ننفذ أولا إلى لب المشكلة ومن ثم نحاول حلحلة المعقد وتفسير المحلحل ينبغي أن نتجرد من الشوفينية التي يتمترس خلفها كثير من مسؤولي الجامعات ومديري الإدارات الأكاديمية، كما ينبغي ألا ننخدع بالنجاحات الوهمية، وألا نسلك مذهب النعامة في الاختباء من العدو أو نصبر صبر الضفدع على الماء المغلي، وإلا فسنصحو على تغيرات كثيرة لكنها سلبية ويصعب بعد ذلك تجاوزها أو التعافي منها.

أكذوبة مواءمة التخصصات لسوق العمل يجب أن تنتهي، لسببين مهمين: الأول أن الجامعات ليست مراكز تدريب أو شركات توظيف، بل هي محاضن للفكر والفلسفة، والثاني أن المواءمة هذه التي يتحدثون عنها ليست جديدة، بل هي قديمة وقديمة جدا، وكانت وما زالت مادة دسمة للمتحذلقين وسلما سهلا للمتسلقين، ولو كانت ناجعة مفيدة كما يزعمون لآتت أكلها في حينها، ثم إن مصطلح سوق العمل هذا مصطلح مطاطي ويحتاج لكثير من التحديد والتأطير.

التوسع في التخصصات الجامعية هو إشكالية في حد ذاته، ولكن من ناحية التضخم الإداري، وليس لأنه سبب من أسباب نمو البطالة كما قد يظن أصحاب المواءمات مع سوق العمل، ونحن إن كنا ضد التوسع في التخصصات بشكل يفاقم العمل الإداري إلا أننا مع الاستيعاب الصحيح والطبيعي لعدد الطلاب في كل تخصص، وما يحدث عند القبول والتسجيل من عنتريات ومزايدات وطنية من قبل بعض الإدارات الجامعية ينعكس سلبا عند التخرج، فمن يتم قبوله «فوق البيعة» عادة يكون هو الضحية طوال فترة الدراسة وعند التخرج وما بعده.

الأعداد التي تستوعبها الجامعات هكذا دونما دراسة أو تخطيط مسبق، وإنما ليقال إن الجامعة هذه أو تلك قبلت كذا وكذا من الطلاب، لهو - من وجهة نظري - أحد أهم مصادر نمو معدلات البطالة على المدى البعيد، كيف؟ الجامعات التي تقبل أعدادا كبيرة من الطلاب غالبا هي من يسكّن العدد الأكبر منهم في التخصصات العلمية، وهذا يتم دون النظر لرغباتهم أو قدراتهم، ودون استثمار طاقاتهم بشكل يسهل عليهم الاستمرار في الدراسة وصقل مواهبهم، فعلى سبيل المثال: تخصصات كالإحصاء والاحتمالات وتحليل البيانات يُزج فيها بالطلاب الأقل مستوى ودون رغبة منهم، على أهميتها كتخصصات نوعية لا يستطيعها إلا من وهبه الله عقلية من نوع خاص!

ضعف التدريس في كثير من الجامعات هو الجواب على «كيف» في تساؤلنا الذي بدأنا به هذا المقال، فضعف التدريس أنتج في العموم وعلى المدى الطويل خريجين دون مستوى المنافسة في سوق التوظيف، وهذا بالطبع ليس ذنبهم هم، ولا هي مشكلتهم وحدهم، ومن يقول إن التدريس والتحصيل في الجامعات أفضل من ذي قبل فإنما هو واهم ومنفصل عن الواقع، وما دام أن الأجيال القديمة أكثر تحصيلا من الأجيال الحالية برغم تطور أدوات ومصادر التعليم فهذا مؤشر على ضعف التدريس وتراجع حركة التعليم، وبالتالي تنامي معدلات البطالة!

ليس مطلوبا من الجامعات أن تأتي وحدها بحل جذري لمشكلة البطالة، فالمشكلة لها أبعاد كثيرة وارتباطات بجهات أخرى كالموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ولكن المطلوب منها أن تصحح مسارات القبول والاستيعاب، وأن تعيد النظر في مسألة ضعف التدريس الذي تعاني منه، ولا بد أن تعكف على دراسة دور الجامعات في الحد من ظاهرة البطالة وتتبنى بالمساهمة مع الجهات المعنية مشروعا وطنيا للقضاء عليها.

drbmaz@