الرأي

التجربة أكبر برهان

مرزوق بن تنباك
قبلت دار الإفتاء المصرية النظر في دراسة ما يعرف بزواج التجربة، وليس مهما أن نعرف ما هو زواج التجربة؟ وما شروطه؟ وما أنواعه وأشكاله؟، المهم أن دار الإفتاء الشرعية قبلت النظر في قضية اجتماعية شائكة تواجه المجتمعات العربية، ويعيشها الشباب من الجنسين معا، وستجد لها حلا شرعيا يراعي ضرورات الحياة ومستجداتها وما يترتب عليها من مشكلات، هي ظاهرة العنوسة المنتشرة بين الشباب من الجنسين لظروف في أغلب أحوالها اقتصادية نتيجة للتغيرات الاجتماعية السريعة المؤثرة في العلاقات العامة، ولا سيما بين النساء في المجتمع الجديد وما توفر من انفتاح واسع على العالم، وحصول الفتاة على بعض الحقوق كالعمل، والاستقلال المالي، لا سيما في منطقة الخليج، حيث انتشر التعليم، وكان للمرأة حظ وافر منه، ومقابل ذلك تحقق الاستقلال المالي فشعرت بوجودها وذاتها فكان لا بد أن يكون لها رأيها في حياتها الجديدة.أما في غير دول الخليج فكان الوضع الاقتصادي غير المريح في البلاد العربية وهجرة الشباب للبحث عن العمل سببا في العنوسة والعزوف عن الزواج وعدم استطاعة تحمل تكاليفه.

والاقتصاد عامل مهم في استقرار العلاقات العائلية، وأذكر قبل خمسة وأربعين عاما مرت بريطانيا في ركود اقتصادي نتج عنه شح في فرص العمل للشباب مما جعل الشابة والشاب يعيشان في بيت واحد دون عقد زواج توفيرا للمصاريف، وقد ينجبان الأولاد مما اضطر المشرعين إلى تشريع ما سمي بزواج المساكنة الذي يلزم الطرفين بحقوق الزواج كاملة حتى وإن لم يكن بينهما عقد زواج معلن إذا أمضيا مدة معلومة في السكن معا.

والحديث لا ينتهي عن العلاقة بين الرجل والمرأة أي الزواج وما فيها من أشكال وأنواع وتعدد واختلاف، وهي قضية وجودية لا يمكن إغفالها أو تجاوزها في أي مجتمع منذ خلق الله الإنسان واستخلفه في الأرض إلى اليوم.

وقد شرعت الأديان السماوية والوضعية الزواج، وحددت مسؤولياته بين الطرفين ووصفت تلك العلاقة بأنها ميثاق غليظ، وقد بدل الناس وعدلوا في نصوص ميثاقهم منذ وجدوا على الأرض حتى يومنا هذا، ولا غرو أن يحتاج الناس إلى التعديل والتبديل فيه حسب الظروف والمناسبات والحاجات وأن تميل كفة فئة على حساب حقوق الأخرى.

ولأن المرأة هي الجانب الأضعف في ماضي الثقافات والحضارات وحتى في حاضرها فقد صنع الرجل لنفسه مميزات جعلته الأعلى وحظه الأقوى وبيده الميثاق الغليظ الذي كان هو الرابط بين ركني العقد.

ولن نذهب بعيدا في تاريخ العلاقة البشرية بين الطرفين، ولكن سنتذكر ما أدركه أكثر الأحياء اليوم في الوسط الاجتماعي الذي يعرفه الجميع، حيث لعبت الشهوات والأهواء التي يصنعها الرجل ويحتال بها ويشرع لجوازها لخدمة نفسه وشهواته مع غياب الشريك عن حظه وقسمته، فصار عقد الزواج أنواعا وأشكالا كعقد زواج المسيار، والمسفار، والغربة، والابتعاث، وغيرها مما تفتقت عنه حاجة الرجل ولذاته، وأضرها على المرأة وأسرتها ما سمي بالزواج بنية الطلاق، وهو عقد فيه من الغش والكذب والخديعة والظلم والغرر واستغلال الطرف الأضعف ما يبطله في كل الأعراف.

ومع كل ما يتضمن عقد الزواج بنية الطلاق من المحرمات، وهضم لحقوق أحد الطرفين المتعاقدين، فقد وجد من يجيزه ممن يستفتيهم الناس ويأخذون بفتواهم وما ذلك إلا ميلا واعتبارا لحاجة الرجل وتجاهلا لحقوق المرأة المسكينة التي لا تعرف ما في النيات من الغش والخديعة حين تبتلى بذكر قليل المروءة والدين يفترسها في ليال معدودات وهو يضمر فراقها منذ الليلة الأولى، ثم يتركها للبحث عن ضحية أخرى من ضحايا الباطل الذي يسمونه الزواج بنية الطلاق ويسوغونه بالأوهام والأكاذيب وبكل صنوف الاحتيال المحرم في الدين والأعراف والتقاليد والتشريعات، وإن أفتى بجوازه من يفتي وقال به من يقول.

Mtenback@