تفاعل

هي لحظات لا غير

مشعل أباالودع
تنساب من قلب الذاكرة المخملية ومن وسط حزمة أفكار تأكلها النيران، تنساب وأنت منغمس في عمل ما.. وأنت تشاهد التلفاز أو تقلب صفحات الجريدة، أو وأنت منزو بالمقعد الخلفي بالحافلة في عودتك إلى البيت بعد يوم شاق جدا. هي نفسها اللحظات التي تعتريك كهمسة ريح فتتحول إلى فكرة وبعدها إلى أفكار متعددة تتخلل الوجدان لمدة من الزمن.

تلك اللحظة التي لفظت فيها أنفاسك الأولى بهذه الدنيا.. لحظة صرختك الأولى على هذه الأرض مستعدا لدخول حلبة المواجهة مع الثقافة المجتمعية والدين والأسرة ومراهقتك الأولى وأيام ربيعك الأخيرة وكذا أيام عوزك.

تلك اللحظة التي تلقيت فيها خبر نجاحك، وتلك المشاعر المتغيرة التي اكتسحت مساحة شاسعة من قلبك، لم تكن تدري هل هي فرحة الانتصار أم شعلة الانتقام لنفسك وللآخرين.

تلك اللحظة التي كان فيها اعترافك الأول لمحبوبك بكل براءة وبعنفوان الشباب، تلك الأحلام والطموحات التي رسمتها بناء على تلك العلاقة، فكان أن تغيرت منها أجزاء وأخرى غيرت مجراها الأحداث والظروف.

تلك اللحظة التي وطأت فيها رجلك بالمدينة التي تقطن بها حاليا، كيف احتضنتك بصدر رحب وكيف شعرت بالانتماء إليها، لحظة الدهشة الأولى والعناق الأول لمدينة تزورها لأول مرة.

تلك اللحظة التي حملت فيها القلم لأول مرة محاولا الكتابة على ورقة ملساء متلهفة لحبرك، حتى أصبحت تلك عادتك التي ترافقك في كل مكان وفي كل زمان.

تلك اللحظة التي شهدت فيها وجود إله واحد يحكم هذا الكون بعد رحلة طويلة من المعاناة مع الشك والتردد، تلك اللحظة التي اتحد فيها كيانك مع المصدر التي أتى منه بعد زمن من التدبر والتأمل.

تلك اللحظة التي كان فيها وداعك الأخير لصديق الطفولة الذي هاجر ولم يعد، تتذكر أيام الصبا والمشاكسة واللعب، فكان أن فرقتكما الظروف إلى أجل غير مسمى.

هي لحظات لا غير، تأتي وتذهب مخلفة وراءها نوعا من الحنين الدافئ ومن نوستالجيا زمن ولى ولن يعود. لحظات عذراء يغلفها الحاضر ليذكرنا كيف كنا وكيف أصبحنا، ولكي نتعلم بأن كل الأشياء من حولنا متجهة نحو الزوال.