مكيون يطرزون عمائمهم بالذهب والفضة
الثلاثاء / 7 / شوال / 1437 هـ - 22:15 - الثلاثاء 12 يوليو 2016 22:15
استعمل أهل البادية والحاضرة في مكة المكرمة العمائم لتغطية الرأس، ولكل منهما نوع من العمائم يفضلونه، وطريقة في تكويرها ولفها. وألف فيها مفتي الحجاز ابن حجر الهيتمي رسالة معنونة بـ»در الغمامة في در الطيلسان والعذبة والعمامة». كما ألف الملا علي القاري الهروي رسالة في مسألة العذبة والعمامة.
ولأن المؤرخين لم يفردوا أنواع العمائم بمؤلفات خاصة، نستطيع اقتناص بعض المعلومات التي وردت عرضا عند بعضهم في وصف نوع من العمائم، ومنها قول ابن جبير الذي زار مكة سنة 581هـ «طلع علينا الأمير مكثر، وعليه عمامة شرب «رقيقة النسج» سحابي اللون، علا كورها على رأسه كأنها سحابة مركومة وهي مطرزة بالذهب». أما ابن بطوطة فيصف أمير مكة سنة 729هـ بقوله «كان لابسا البياض معتما متقلدا السيف».
ويصف ابن فهد القرشي في كتابه نيل المنى لباس الأمير أبونمي وخلعته المهداة إليه بقوله «قابل صاحب مكة الشريف أبونمي بعسكره، أمير الحاج فعرض له، ورفقته أخوه، فألبس كليهما خلعة، ولم يعمل الشريف أبونمي طبقا على عمامته كعادته، بل طرازين» ويقول في موضع آخر «خلع أمير الحاج على الشريف بركات خلعة قفطان، وعلى ولده خلعة وعصابة على العمامة المدورة كعادة أهل مكة».
ويبدو أن الطبق المقصود به طريقة من طرق تكوير العمائم، أما الطراز فهو الوشي من القصب أو الذهب أو الفضة تجمل به حواشي العمائم، وتظهر من خلال اللف. ويقول في مكان آخر «خلع أمير الحاج على السيد أحمد بن أبي نمي، خلعتين عظيمتين، وطرازتين على عمائمهما الطبقتين».
وكانت العمائم الضخمة هي لباس كبار رجال الدولة، ولا ترخى لها عذبة، لذلك نجد ابن فهد في كتابه السابق يقول «استمررت على فعل العذبة وتقصير الأكمام، بعض أشهر وأعوام، فظهر لي في ذلك الرياء، فعدت إلى كبر العمامة والأعمال بالنيات». ومن الواضح أنه يقصد أنه لبس لباس الزهاد والفقهاء، إلا أنه خاف على نفسه الشهرة، ودخول الرياء إلى قلبه، فخلعها، وعاد إلى لبس ما يلبسه الأعيان والوجهاء.
ويؤكد ذلك الوصف الذي أطلقه نجم الدين القرشي في كتابه الدر الكمين على أحد الزهاد، حيث يقول «مات محمد بن أحمد الشاذلي، وكان حافظا للقرآن الكريم، يقرأ به بالسبع في المسجد الحرام، مباركا ساكنا زاهدا يرخي العذبة، ويغسل الأموات، وكان إماما بقرية سولة» مما يدل أن إرخاء العذبة سمة من سمات الزهاد في القرن العاشر الهجري.
أما محمد الطبري ت1173هـ فيقول «السليمي لبس بني الحسن الآن» ويقصد بذلك لباس أمراء مكة في وقته، والسليمي هو نوع غالي الثمن من العمائم تكون مخططة بألوان زاهية ومختلفة، ولعلها منسوبة في التسمية إلى السلطان سليم العثماني، والذي حكم بين عامي 973-981هـ، وكانت لباس الأمراء والباشوات، وما زالت معروفة في مكة حتى الآن كبقية من التراث.
كما انتشر في مكة بداية من القرن الثالث عشر نوع من العمائم، عرف بالغباني، وهو من أشهر الأنواع الآن، وأشار بعض المؤرخين إلى أن أصل التسمية «غاباني» نسبة إلى اليابان، التي كانت تسمى جابان، وغابان في المصادر القديمة، وأول ما عرف كان مستوردا منها، ثم أصبح يصنع في الشام، حسب النقوش والرسوم التي صممها بعض المكيين، وترسل إلى هناك، بل وبعضهم ينقش عليه اسم لابسها. ويشير الكردي في كتابه التاريخ القويم إلى أن من العمائم ما يصل طولها إلى حوالي عشرين ذراعا، أي حوالي 10 أمتار، وهذه لا يلبسها كل أحد، ولا يعرف طريقة لفها إلا أناس مخصوصون، أما الأكثر انتشارا فهي العمائم التي لا يتجاوز طولها الذراعين.
ولأهل القرى الحجازية نصيبهم من لبس العمائم، فكانوا يلبسون نوعا يسمى الحمودي، والشرقية والدسمال، كما أشار إلى ذلك مؤرخ الحجاز عاتق البلادي. وأشار سعد الجحدلي في كتابه «ثول الدعيجية البحر والبحار وذاكرة المحار» إلى استخدام أهل ثول العمائم الحلبية والشرقيات، ووصف الشرقيات بأنها نوع من العمائم ذات لون أحمر مائل إلى الوردي.
وفي سنة 1350هـ ومع بداية تأسيس السعودية، رأى الملك عبدالعزيز، رحمه الله، أنه وتبعا لتوحيد هذا الكيان العظيم أن يتوحد الزي، خصوصا في الدوائر الحكومية، فعرف الناس لبس العقال والغتر والأشمغة والمشالح.
makkawi@makkahnp.com