الرأي

مبدأ علانية المحاكمات بين القاعدة والاستثناء

عبدالله قاسم العنزي
تخضع المحاكمات في كل التشريعات الوضعية والقضاء الشرعي إلى جملة من المبادئ، التي تهدف إلى إحاطة المتهم بضمانات تكفل له محاكمة عادلة، ومن بين هذه المبادئ علانية الجلسات، وقد تقرر هذا المبدأ بوصفه قاعدة، ضمانا للمتهم وللصالح العام، ليحقق فائدة مزدوجة، فمن جهة تحقق العلانية احترام القضاء والثقة بنزاهته، ومن جهة أخرى تحقق سياسة الردع العام.

ويقصد بالعلانية أن تجري إجراءات المحاكمة بحضور الجمهور - بغير تمييز - فضلا عن حضور الخصوم ومحاميهم، وأن تنظر المحكمة القضية منذ بداية المرافعة فيها حتى النطق بالحكم في جلسة علنية دون قيد، إلا ما يستلزم ضبط النظام.

كما أن العلانية لا تنتفي إذا لم يحضر إجراءات المحاكمة جمهور من الناس ما دامت أبواب قاعة المحكمة مفتوحة والفرصة متاحة لأي فرد أن يدخلها أو يتواجد أثناء مباشرتها لنظر قضية ما، وهذه تعتبر قاعدة عامة في كل التشريعات الوضعية والقضاء الإسلامي، إلا أن من هذه القاعدة استثناء كما أوضحت المادة الـ 64 من نظام المرافعات على أنه «تكون المرافعة علنية، إلا إذا رأى القاضي - من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم - إجراءها سرا...».

ويتضح أن النظام أجاز استثناء إجراء بعض المحاكمة بصورة سرية، بأن تسمع الدعوى في جلسات يمنع الجمهور من حضورها، وقد تكون السرية جزئية، كسماع شاهد مثلا، أو نسبية أي قاصرة على فئة دون أخرى، كأن يكون النزاع بين أفراد أسرة لا يريدون أن تكون ظاهرة للعلن، وبطبيعة الأحوال هناك عدة حالات تستثنى من علنية الجلسات القضائية، نذكرها على النحو التالي:

الحالة الأولى: إذا تعلق الأمر بحفظ النظام العام واصطلاح النظام العام يتسم بالمرونة والسعة، لذلك أن ما يعتبر من النظام العام - يخضع إلى تقدير الهيئة القضائية - أو القاضي ناظر الموضوع، فهو الذي يزن المصلحة العامة ويقدرها من حيث يقتضي الأمر سرية الجلسة أو جزء منها للصالح العام.

الحالة الثانية: إذا تعلق الأمر بالآداب العامة فالسرية في هذا الإطار ضمانة للمتقاضي، لأنها تمكن من المحافظة على أسرار الناس وأعراضهم باعتبار أن المناقشة قد تتطرق في بعض الأحيان إلى أدق التفاصيل.

الحالة الثالثة: القضايا المتعلقة بالأسرة والنزاعات التي تثور بين أفراد الأسرة الواحدة كالزوجين أو الإخوة، مثل هذه القضايا تحدث حرجا لخصوصية العائلة، وقد يمس سمعتها وشرفها بسوء أو تتعرض لألسنة عامة الناس، فمن المصلحة أو بناء على طلب الخصوم تكون جلسات الخصومة أو جزء منها سرية.

الحالة الرابعة: محاكمة الأحداث، فقد نصت المادة الـ14 من نظام الأحداث على أنه «تجري محاكمة الحدث أمام المحكمة بحضوره وولي أمره أو من يقوم مقامه، فإن تعذر ذلك فمندوب من الدار، وذلك دون الإخلال بحق الحدث في الاستعانة بمحام وفق الأحكام المقررة نظاما».

المنظم السعودي رأى عدم علنية محاكمة الأحداث، حرصا منه على حماية خصوصية هذه المرحلة العمرية، وأن الأحداث المتهمين يراد من خلال ما يتخذ في مواجهتهم من إجراءات إعادة تقويمهم وتهذيبهم، وأنه مما يتضاد مع هذه الغاية ذيوع أمر اتهامهم ومحاكمتهم في جلسات يشهدها طائفة من الناس.

expert_55@