تفاعل

بين ألف وميم ألم الماضي

مشعل أباالودع
أنت المتهم والآخرون كلهم قضاة، أنت الجاني والآخرون كلهم ضحايا، أنت الخائن والآخرون كلهم أوفياء. وحدك تلتحف وحدتك وسط خانة الانتظار محاولا الابتعاد عن الضجيج الذي يعم جدول الحياة.

لا تستطيع نسيان الماضي بكل أحداثه، فقد عانيت كثيرا منذ ولادتك، وبالرغم من أنك استطعت تحقيق الكثير بعد محطات الفشل المتعددة التي وقفت عندها، ماضيك لصيق بك. وفي كل مرة ترغب في تجربة شيء جديد يقف أمامك متصلبا ليمنعك من رمي الخطوة نحو الأمام.

الألم يكبلك وذاكرتك المخملية تتذكر شوائب الأحداث وتفاصيلها الدقيقة. تتذكر معلمك بالصف الأول الذي تنمر عليك وكان يرفض حضورك لمجرد أنك كنت طفلا انطوائيا، لكنه للأسف كان يجهل الأساليب اللازمة للتعامل معك. تتذكر صديق الطفولة الذي هاجر دون سابق إنذار وتركك وحيدا وغير قادر على تكوين صداقات جديدة، لأنك لم تعد تعترف بوجودها بالأساس. تتذكر المشروع الذي حاولت جاهدا تأسيسه لكن ضعف الإمكانيات المادية كانت سببا في فشله. تتذكر ذلك الحبيب الذي فرقتك وإياه الظروف وغادرك إلى الأبد.

ذكريات الماضي القريب والبعيد مقترنة بك ولعنة الوحدة تتبعك. بين ألم الفراق وألم الخيانة تشعر وكأنك كائن عائم وكتلتك لا تساوي شيئا. تفكيرك تحركه العاطفة واللاوعي. تحلل وتفسر الأمور من منظورك الخاص ولا تقبل أبدا تدخل أي طرف من الأطراف. لعنة الماضي تتبعك وتقسم ظهرك قسمين كالهلال.. مصاب أنت بنوبة خيبة الأمل بشكل دائم ومهما حاولت الانسلاخ من تلك الحالة لا تستطيع.. لمجرد أنك ترفض أن تعترف بأن خيبة الأمل أمر مرتبط بوجود الإنسان وهو في الحقيقة لا يستحق كل تلك المعاناة.

إنه من البديهي جدا أن يخيب أملك بعد تعرضك لصدمة ما، والمشكلة تكمن في أن يظل الإنسان يراكم الصدمات دون أن يتصالح معها أو أن يحاول رؤية المسألة من باب واسع ويتفهم الدوافع المكنونة التي جعلت الآخر يتصرف بشكل من الأشكال.

الناس حجر وطوب ومن المجحف أن نسقط خطأ شخص على كل الكائنات الأخرى ونعتبر الأمر قاعدة عامة، والتجارب تختلف لحيثياتها وظروفها ولا وجود لتجربة تشبه أخرى.