الرأي

اندماج الكيانات العملاقة من وجهة نظر الموظفين

وائل عبدالله العامودي
يشهد أحد أهم القطاعات الاقتصادية حيوية في المملكة العربية السعودية هذه الأيام اندماجات واستحواذات بين البنوك السعودية، تهدف لخلق كيانات ذات ملاءة مالية عالية وقدرة تنافسية أكبر، وبعيدا عن لغة الأرقام ومعطيات الاقتصاد، سوف نستعرض أهمية «التخطيط الدقيق» من خلال مراحله الأربع التي تتعلق بالموظفين، وكيفية إدارة ومراعاة الاختلافات النفسية والتباين بين بيئات العمل، لما لذلك من عظيم الأثر وكيف أن «عدم التخطيط الدقيق» يؤثر سلبا في واقع ومجريات العملية، حيث يحدث تسرب وفقدان للمتميزين وظيفيا، وتقليل وضعف في إنتاجية فرق العمل بشكل عام بما في ذلك مسؤولي الصف الأول وقادة العملية.

يشار إلى أنه يجب التنبه للجانب العاطفي والمشاعر والأحاسيس التي تموج داخل نفسيات الموظفين، لذا فإن هناك مسؤوليات يضطلع بها كل من مسؤولي رأس المال البشري، والتواصل المؤسسي واستراتيجيات الأعمال، حيث يتوجب عليهم العمل سويا وجنبا إلى جنب منذ بداية نوايا عملية الاندماج أو الاستحواذ بوقت كاف، وذلك ليتسنى لهم كفريق عمل القيام بما يلي:

أولا: تحديد الرؤية والغاية من هذه العملية- تحديد الهدف من عملية الدمج أو الاستحواذ، باستخدام كلمات واضحة وصريحة ومباشرة، تتم صياغتها وتعميمها على عموم الموظفين في كلا الكيانين.
  • وضع الاستراتيجيات الخاصة بعمليات الدمج أو الاستحواذ، على ثلاثة مراحل (1) مرحلة ما قبل الدمج ، (2) مرحلة أثناء الدمج ، (3) مرحلة ما بعد اكتمال الدمج أو الاستحواذ.
  • وضع أهداف لكل مرحلة من مراحل الاستراتيجيات الثلاث.
  • وضع مؤشرات ومحددات، تشير لبداية ومنتصف ونهاية دورة كل استراتيجية من الاستراتيجيات الثلاث، حتى يتم التنقل بينها بسلاسة وليكون جميع القادة والمسؤولين على علم عن تفاصيل كل مرحلة ومحددات بدايتها ونهايتها.
ثانيا: تكوين فريق عمل لقيادة التحول مكون من كلا الكيانين

يحوي أفضل القياديين والموظفين ذوي المعرفة والقدرة على إحداث التأثير والتحدث وإلهام الموظفين، وتتجلى مهامهم فيما يلي:
  • الرؤية الاستشرافية لمراقبة عملية التحول، وقياس نجاحات وعوائق كل مرحلة، ووضع التكتيكات اللازمة للتغلب عليها والتأكد من جودة إدارتها.
  • وضع لغة ذات نبرة صوت محددة وأسلوب خطاب راقي، لمخاطبة جميع المستويات الإدارية في كلا الكيانين ولصياغة الرسائل المناسبة للمعلومات المراد إيصالها، وذلك حسب الشرائح المستهدفة داخليا وخارجيا، وذلك لكلا الكيانين كونهما الآن أصبحا كيانا واحدا.
  • تحديد اتجاهات وغايات وبيئة عمل الكيان الجديد التي يودون تأسيسها، وهذه المرحلة مشابهة لتأسيس أي منظومة عمل جديدة، وتتجلى مهارة فريق العمل في القدرة على التفاعل مع الجميع وإشراكهم في التغييرات وإعلامهم بظروف وبيان ملابسات كل مرحلة.
ثالثا: التواصل المؤسسي من خلال لغة عالية الوضوح قليلة التأويل

تكثر في عملية الاندماج والاستحواذ الشائعات التي من الممكن أن تعصف ليس بالعملية نفسها فحسب، بل ومن الممكن أن تعصف وتكبد كلا الكيانين خسائر تُهدد من بقائهما أيضا، ويكون ذلك من خلال:
  • التأكد من أن جميع الموظفين في كلا الكيانين لديهم الرؤية الواضحة التي تصف الغرض من هذه العملية.
  • التواصل الواضح والشفاف مع الجميع، والإجابة عن جميع التساؤلات والتكهنات وما يثار من زوابع بين الفينة والأخرى.
  • يجب إشعار الجميع بالأهمية، وإطلاعهم على الجديد والمتغيرات وتحولات الأعمال، وما يستحدث من استراتيجيات وما يتم تكوينه من فرق عمل وظهور مسميات ووظائف جديدة.
رابعا: السياسات والإجراءات الخاصة بالموظفينيجري تقسيم الموظفين في كلا الكيانين إلى:
  • موظفين يرغب الكيان الجديد باستبقائهم في العمل معه، لذا تقدم لهم مهام ومناصب جديدة، ويتم ذلك من خلال برامج استثمارية وحوافز ترتبط بمدد تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات.
  • موظفين يرغب الكيان في تأهيلهم لمناصب ومهام وظيفية جديدة، وغالبا ما تتوافق مع مؤهلاتهم وخبراتهم السابقة، ولكنها تختلف عن وظائفهم ومهامهم الحالية.
  • موظفين لا تتناسب مؤهلاتهم وخبراتهم مع احتياجات الكيان الجديد، فيتم ترتيب لقاء مع مختصين للتمهيد لهم ومناقشة مسارهم الوظيفي الذي يرغبون فيه سواء الحالي أو تخصص جديد، وتوضع خطة لتقديم برامج «تدريبية نوعية» ومساعدة في كتابة السيرة الذاتية وإعطاؤهم شهادات توصية، وترتيب مقابلات شخصية لهم مع جهات عمل تم التنسيق معها في وقت سابق، تكون بحاجة لمؤهلات وخبرات الموظفين الذين يرغب الكيان بالاستغناء عنهم.
وتجدر الإشارة إلى أنه من الغريب أن يكون الفاقد الأكبر في الاندماجات والاستحواذات من نصيب شريحة الموظفين الذين يرغب الكيان الجديد باستبقائهم، وذلك مرده إلى التأخر في التواصل معهم وتوضيح مسارهم الوظيفي القادم في الكيان الجديد، وذلك بسبب - كما سبق القول - عدم التخطيط الدقيق لهذه المرحلة وضبابية الوقائع والقرارات، كما أن نشود الكمال في هذه المرحلة لا يحبذ إطلاقا، ونجد من أسباب ذلك رغبة المسؤولين باكتمال القائمة وأن تصبح نهائية، وهذا ما لا يتحقق بسبب التدخلات المستمرة من كلا الكيانين بإضافة أسماء وإزالة أخرى، لذا يجب أن تكون هذه العملية مُحكّمة، بل وينصح أن تتم من خلال طرف ثالث «محايد»، يقوم بدراسة السير الذاتية ومقابلة الموظفين مرة أخرى لتحديد مدى مناسبة استمرارهم في وظائفهم الحالية أو لوظائف جديدة يتم ترشيحهم عليها في الكيان الجديد.

لوحظ أخيرا أن هناك تحسسا من استخدام مصطلح «استحواذ»، رغم أن بعض الكيانات استحوذت بالفعل على كيانات أخرى، إلا أننا نجد أن استخدام مصطلح «دمج» مُفضل لدى الجميع، كونه يأتي بشكل أكثر لطافة، ويُعد هذا التحسس من استخدام مصطلح الاستحواذ أحد أهم المؤشرات على الحساسية العالية لهذه العملية، وأنها تعني عاطفيا تماما بالقدر المساوي لما تعنيه اقتصاديا، واستخدام مصطلح «دمج» يأتي لتقليل مقاومة الموظفين وإشاعة جو من التفاؤل، وأن جميع الأمور تسير في اتجاه جيد للجميع، في حين أن الإعداد الجيد والمدروس لعملية الدمج أو الاستحواذ، سيجعل الأمور أكثر وضوحا وشفافية، وبالتالي أكثر مهنية على المستويين المهني والعملي، وأكثر إنسانية على المستويين الشخصي والإنساني.

@wailamoudi