الضمير الأكاديمي ومضيّع الصلوات!
السبت / 20 / ربيع الثاني / 1442 هـ - 18:56 - السبت 5 ديسمبر 2020 18:56
يقال إن رجلا كان لا يصلي مع جماعة المسجد إلا بعض الفروض، ولكنه كان أكثرهم ظهورا إذا حضر، فما إن يفرغ الإمام من صلاته إلا ويرفع هذا الرجل صوته بالاستغفار والتسبيح وبعض الأذكار، فيلتفت الناس إليه ويسلمون عليه، فيسألهم عن أحوالهم وأمور حياتهم، ويهش ويبش معهم، وإذا رأى غريبا بينهم بادر إليه يدعوه لحقه من الكرم والضيافة فإن تمنّع أو أبى أصر عليه وأخذه باللين أو بالتي واللتيّا، حتى إن جماعة المسجد ألفوا هذه المشاهد، وأصبحوا لا يفتقدون صاحبهم هذا إذا غاب عن أداء الصلوات، بل يترقبون أنواع «الآكشن» مع مجيئه وعند حضوره!
بعض المسؤولين اليوم في الإدارات الأكاديمية لا يختلفون كثيرا عن مضيّع الصلوات هذا، فالواحد منهم لا تجده في مكتبه حاضرا عند بداية الدوام، وربما صار ظل الشيء مثله أو مثليه وسعادته لم يحضر بعد، وبعضهم لا يحضر في الأسبوع إلا نصف دوام، والنصف عليه كثير، ولكنهم إذا حضروا ظهروا في الاجتماعات والانتدابات المدفوعة، وإذا تحدثوا ففي المناسبات المصورة والمنقولة عبر الإعلام، وأحاديثهم على الأرجح حميمية وممتعة، إلا أن هذا النوع من المسؤولين مقصرون في أداء فروض أعمالهم الأكاديمية ومهامهم الإدارية، وفي حالات كثيرة محلقون تحت الصفر!
عضو هيئة التدريس أو المعلم الجامعي - كما يطلق عليه في بعض جامعاتنا - ليس عليه رقيب في حضور دوامه وأداء مهامه الأكاديمية إلا ضميره وضميره فقط، والضمائر كما تعلمون أنواع، منها الغائب ومنها المستتر وكثير منها متصل بالمصلحة ومنفصل عن الواقع إلا ما شاء الله، ولذلك في فترة من الفترات خرجت أصوات بعض مسؤولي الموارد البشرية تدعو إلى تطبيق نظام حضور على أساتذة الجامعات، ولكن أصواتهم تلك قوبلت بالرفض والاحتجاج، لأن ضمائر الأساتذة في جامعات عالمية كـ «ستانفورد وبيركلي وهارفرد» لا تُراقب باعتبارها ضمائر راقية وعلى قدر كبير من المسؤولية والنضج!
في إحدى الجامعات المحلية، جاء طالب إلى قسمه يسأل عن الساعات المكتبية للدكتور الذي يدرّسه، فقالوا له: لا نعرف أستاذا بهذا الاسم، وعندما أصر الطالب عادوا إلى جدوله وتحققوا من مواده، فوجدوا أن الأستاذ الذي يدرّسه في القاعة ليس هو المسجل في جدوله، واكتشفوا بعد البحث والتحري أن دكتورهم المبجل يقضي شهر العسل في دولة أوروبية، وقبل أن يسافر كلف واحدا من طلابه في الدراسات العليا من ذوي المنح الدولية كي يدرّس الطلاب بدلا عنه حتى يعود هو، فما كان من رئيس القسم وعميد الكلية ورئيس الجامعة إلا أن تستروا على الحادثة وسجلوها «إنجازا» يكتب لهم في خانة الضمائر المتسترة!
إشكالية الضمير الأكاديمي في القيام بالواجبات الوظيفية تفوق في الوصف والتحليل مجرد اسم «إشكالية»، وتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فالضمير الإنساني إذا عدنا لتعريفه ما هو إلا مشاعر نقية تهدي إلى الأخلاق السوية، يفرزها الوعي الحقيقي، ثم تتحول إلى سلوك واع بالحقائق، وإدراك مستوعب للواقع، وعلى ضوء هذه الحالة المتدرجة في الترابط تكون التصرفات وتتخذ القرارات، وبلا شك فإن غياب الضمير غياب للأخلاق والقيم وبالتالي ظهور الفساد وفناء الأمم، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، كما يقول أمير الشعراء شوقي.
الفرق بين أنظمة الجامعات الغربية وجامعاتنا وبين أساتذتها و«معلمينا» ليس في النواحي العلمية والإبداع والابتكار فحسب، بل في الضمير اليقظ، والوعي بمعرفة كل الواجبات والحقوق، فالوعي هناك حاضر لدى الكل، وإن غاب لدى قلة قليلة حضر النظام، فلا مجال للتفسير والتأويل، أما نحن فلا هذه ولا تلك إلا بقدر متفاوت، فالوعي عند البعض يغيّب أو يستدعى حسب المزاج واتجاه مؤشر بوصلة المنفعة، والأنظمة تفسر على فهم المسؤول أو تُؤوّل له حسب رغبته، وتكيّف على اصطلاحه وانسجامه مع من يدور أو يسبح في فلكه، فلا يظهر في الصورة الأكاديمية إلا أشباه راعي «الآكشن» مضيّع الصلوات!
drbmaz@
بعض المسؤولين اليوم في الإدارات الأكاديمية لا يختلفون كثيرا عن مضيّع الصلوات هذا، فالواحد منهم لا تجده في مكتبه حاضرا عند بداية الدوام، وربما صار ظل الشيء مثله أو مثليه وسعادته لم يحضر بعد، وبعضهم لا يحضر في الأسبوع إلا نصف دوام، والنصف عليه كثير، ولكنهم إذا حضروا ظهروا في الاجتماعات والانتدابات المدفوعة، وإذا تحدثوا ففي المناسبات المصورة والمنقولة عبر الإعلام، وأحاديثهم على الأرجح حميمية وممتعة، إلا أن هذا النوع من المسؤولين مقصرون في أداء فروض أعمالهم الأكاديمية ومهامهم الإدارية، وفي حالات كثيرة محلقون تحت الصفر!
عضو هيئة التدريس أو المعلم الجامعي - كما يطلق عليه في بعض جامعاتنا - ليس عليه رقيب في حضور دوامه وأداء مهامه الأكاديمية إلا ضميره وضميره فقط، والضمائر كما تعلمون أنواع، منها الغائب ومنها المستتر وكثير منها متصل بالمصلحة ومنفصل عن الواقع إلا ما شاء الله، ولذلك في فترة من الفترات خرجت أصوات بعض مسؤولي الموارد البشرية تدعو إلى تطبيق نظام حضور على أساتذة الجامعات، ولكن أصواتهم تلك قوبلت بالرفض والاحتجاج، لأن ضمائر الأساتذة في جامعات عالمية كـ «ستانفورد وبيركلي وهارفرد» لا تُراقب باعتبارها ضمائر راقية وعلى قدر كبير من المسؤولية والنضج!
في إحدى الجامعات المحلية، جاء طالب إلى قسمه يسأل عن الساعات المكتبية للدكتور الذي يدرّسه، فقالوا له: لا نعرف أستاذا بهذا الاسم، وعندما أصر الطالب عادوا إلى جدوله وتحققوا من مواده، فوجدوا أن الأستاذ الذي يدرّسه في القاعة ليس هو المسجل في جدوله، واكتشفوا بعد البحث والتحري أن دكتورهم المبجل يقضي شهر العسل في دولة أوروبية، وقبل أن يسافر كلف واحدا من طلابه في الدراسات العليا من ذوي المنح الدولية كي يدرّس الطلاب بدلا عنه حتى يعود هو، فما كان من رئيس القسم وعميد الكلية ورئيس الجامعة إلا أن تستروا على الحادثة وسجلوها «إنجازا» يكتب لهم في خانة الضمائر المتسترة!
إشكالية الضمير الأكاديمي في القيام بالواجبات الوظيفية تفوق في الوصف والتحليل مجرد اسم «إشكالية»، وتذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فالضمير الإنساني إذا عدنا لتعريفه ما هو إلا مشاعر نقية تهدي إلى الأخلاق السوية، يفرزها الوعي الحقيقي، ثم تتحول إلى سلوك واع بالحقائق، وإدراك مستوعب للواقع، وعلى ضوء هذه الحالة المتدرجة في الترابط تكون التصرفات وتتخذ القرارات، وبلا شك فإن غياب الضمير غياب للأخلاق والقيم وبالتالي ظهور الفساد وفناء الأمم، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، كما يقول أمير الشعراء شوقي.
الفرق بين أنظمة الجامعات الغربية وجامعاتنا وبين أساتذتها و«معلمينا» ليس في النواحي العلمية والإبداع والابتكار فحسب، بل في الضمير اليقظ، والوعي بمعرفة كل الواجبات والحقوق، فالوعي هناك حاضر لدى الكل، وإن غاب لدى قلة قليلة حضر النظام، فلا مجال للتفسير والتأويل، أما نحن فلا هذه ولا تلك إلا بقدر متفاوت، فالوعي عند البعض يغيّب أو يستدعى حسب المزاج واتجاه مؤشر بوصلة المنفعة، والأنظمة تفسر على فهم المسؤول أو تُؤوّل له حسب رغبته، وتكيّف على اصطلاحه وانسجامه مع من يدور أو يسبح في فلكه، فلا يظهر في الصورة الأكاديمية إلا أشباه راعي «الآكشن» مضيّع الصلوات!
drbmaz@