الرأي

منازعات الورثة القضائية

عبدالله قاسم العنزي
للعرف أثر ملحوظ وملموس في مجال الأحوال الشخصية، ويتجلى هذا الأثر في مختلف المعاملات المرتبطة بالأسرة من خلال الزواج والنفقة والميراث، وقد تأثر الأخير بالشكل الواضح والجلي بعادات ما أنزل الله بها من سلطان، وبالتأكيد أن هذه عادات وأعراف فاسدة حينما تحرم المرأة ميراثها وحقوقها، وكذلك عندما يُحرم الحمل في بطن أمه أو الطفل الصغير القاصر.

إن الشريعة الإسلامية أوجبت إعطاء الحقوق لأصحابها، ومن ضمنها انتقال المال الموروث إلى الورثة، ولهذا اختص الحق سبحانه بقسمة التركات قسمة ربانية لم تعرفها شرائع الأرض، ولأهمية الميراث للمجتمع الإنساني اعتنى به الفقهاء عناية فائقة، وأظهرت ذلك كتب الفقه عندما جعلت باب المواريث من أهم أبوابه وأدق مباحثه، وذلك لاعتباره من الوسائل الأساسية لكسب الملكية ومراعاة فطرة الإنسان في الميل لحب المال والرغبة في تحصيله.

وإن القضاء من أهم المؤسسات الرئيسة في الدولة، وهو درع يحمي مختلف الحقوق ويصون الأفراد داخل المجتمع، وقضايا شؤون الأسرة وقسمة الميراث من القضايا الحساسة في المجتمع، ويحدث فيها ظلم وجور واضحان، وتكون الضحية هم القصر والنساء في الغالب.

سأتحدث هنا عن مسائل مهمة في الميراث، ابتداء بقسمة التراضي، بأن يقوم الورثة بقسمة التركة بينهم بالتراضي ثم يكون الإجراء بأن يطلبوا من محكمة الأحوال الشخصية إثبات ذلك، لأجل التوثيق والتهميش على الصكوك، أو لهم أن يتخارجوا فيما بينهم، بمعنى اتفاق الورثة على إخراج بعضهم ممن لم يرغب في الخروج بحصته من المال المشاع مقابل أن يدفع له مال معلوم بحصته من التركة، ومثل هذه المسائل كلها تنظرها محكمة الأحوال الشخصية، التي تختص في تقسيم المال الموروث، أو يكون التخارج والقسمة بالطرق الودية عند أحد المحامين.

ولا يفوتنا التنبيه إلى مسألة مهمة تحدث في بعض الحالات، وهي أن أحد أفراد الأسرة يكون هو كبير هذه العائلة، ويتعسف في حيازة الصكوك والمستندات والأوراق وكل ما من شأنه إيضاح ماهية التركة وقدرها، ويعد هذا التصرف اغتصابا للأموال ومحرما شرعا ومخالفا للقانون، حيث اجتمعت في هذا السلوك كل أركان التأثيم من أنه:

أولا: العلم بوجوب تقسيم المال الموروث بين الورثة كل بحسب قسمته الشرعية التي حددتها الشريعة الإسلامية، وهذا الوجوب واجب على الفور بعد سداد ديون المتوفى وتنفيذ وصيته.

ثانيا: حجب الأوراق والمستندات التي بحيازته، والتي تؤكد نصيب الورثة، والامتناع من تسليمها إلى الورثة.

ثالثا: النية السيئة بحيث يكون دافع السلوك الطمع والجشع واغتصاب أموال الورثة دون وجه حق.

في مثل هذه الحالة يتقدم الورثة إلى محكمة الأحوال الشخصية، طالبين قسم إجبار وفق النصاب الشرعي. أختم بتوجيه مهم، بأن عملية قسمة التركات الكبيرة - غالبا - معقدة، بحيث لا يستغنى عندها عن تدخل أهل الخبرة ومساهمتهم فيها، إما بالحلول الودية أو الحلول القضائية، خاصة إذا كانت التركة تشتمل على نقد وعقارات وأسهم ومحافظ وممتلكات عينية وغيرها.

expert_55@