خطط التنمية السعودية بين تجربة النرويج ورؤية سنغافورة

تسع خطط خمسية تنموية تعاقبت منذ صدور أول خطط المملكة الخمسية للتنمية في 1970 ووصولاً للخطة التاسعة التي يعمل بها الآن، كل هذه الخطط وضعت تنويع مصادر الدخل الوطني، وتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في الناتج الإجمالي المحلي على قائمة أولوياتها، وهدفاً رئيساً تنطلق منه، وتنتهي إليه، ولكن بعد انقضاء 43 عاماً لم يتحقق كل ما رمت إليه هذه الخطط، فلا يزال النفط المورد الرئيس والشريان المغذي للميزانية العامة للدولة بنحو 90% من الدخل الحكومي

تسع خطط خمسية تنموية تعاقبت منذ صدور أول خطط المملكة الخمسية للتنمية في 1970 ووصولاً للخطة التاسعة التي يعمل بها الآن، كل هذه الخطط وضعت تنويع مصادر الدخل الوطني، وتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في الناتج الإجمالي المحلي على قائمة أولوياتها، وهدفاً رئيساً تنطلق منه، وتنتهي إليه، ولكن بعد انقضاء 43 عاماً لم يتحقق كل ما رمت إليه هذه الخطط، فلا يزال النفط المورد الرئيس والشريان المغذي للميزانية العامة للدولة بنحو 90% من الدخل الحكومي. هذه النتائج تؤكد أن الاستراتيجيات والآليات المتبعة في تنويع مصادر الدخل الوطني لم تكن فاعلة، أو أخطأت مسارها، أو أنها كانت حالمة أكثر من اللازم في ظل عدم القدرة على تحويل هذه الخطط إلى واقع، علاوة على غياب المعايير التي يمكن الحكم بها على أداء الجهات المنوطة بتنفيذها، ويحتم ذلك علينا إعادة صياغة هذه السياسات أو الآليات في الخطط التنموية المقبلة، شريطة أن تكون الآليات الجديدة واقعية بما يمكن من تطبيقها بشكل تدريجي، وأن لا تبالغ في طموحاتها كالحديث عن اقتصاد المعرفة ودورها في الدخل القومي، في الوقت الذي لا يزال فيه اقتصاد المملكة يعتمد على الموارد الطبيعية الناضبة، ويعاني من ندرة وشح في المواد البشرية عالية التأهيل، والتي إن وجدت فإنها تعاني من التهميش والتطفيش، في اقتصاد يعاني من خلل في سوق العمل. وقبل هذا كله، على وزارة التخطيط والاقتصاد أن تحدد بكل شفافية أسباب عدم نجاح الخطط الاستراتيجية السابقة في تحقيق أهدافها كاملة، وتحاول تقديم معالجات تجنب أسباب فشلها، وإلا ستلد خطة تنموية جديدة شبيهة بالخطط السابقة التي عجزت الأرقام الفلكية من الإنفاق الحكومي عن إصلاحها أو تحقيق بعض أهدافها. فبعد 43 عاماً لم يعد هناك مجال للانتظار عقودا أخرى - قد تكون أكثر إيلاماً - يخضع فيها اقتصاد 27 مليون مواطن تحت رحمة أسعار النفط وتقلباتها. وعند مقارنة نتائج خطط التنمية السعودية التسع بتجربة النرويج ورؤية سنغافورة تكون المقارنة أمراً مخجلاً، فخطط التنمية السعودية عجزت عن تحقيق هدفها الرئيس الذي راهنت عليه طويلاً، فيما أسست النرويج صناعات جديدة قائمة على النفط أسهمت بشكل كبير في استقرار وازدهار اقتصادها، واستثمرت العائدات النفطية بشكل مستقل عن الاستهلاك المحلي، حيث استطاعت أن توظف إيرادات النفط في صندوق لا تأخذ منه إلا ما يعادل 4% سنوياً لدعم الميزانية، واستثمرت الباقي للأجيال المقبلة، وركزت خطط التنمية النرويجية على التعليم والتقنية والتنمية الصناعية، مما أسهم في انخفاض تأثر الاقتصاد النرويجي بتقلبات أسعار النفط، وفي رؤية سنغافورة، البلد الذي لا تتعدى مساحته 628 كيلو مترا مربعا، وتفتقر للمصادر الطبيعية، كان الاستثمار الحقيقي في الموارد البشرية الداعم الرئيس للنجاح والانتقال للعالم المتقدم، وتحقيق التنمية المتوازنة والشاملة والمستدامة، يحركها وضوح الرؤية، ووجود الإرادة والإدارة الحازمة لتحقيق الأهداف. كلتا التجربتين تثيران فصولا من الأسئلة حول جدوى خطط التنمية الثماني الماضية، وتاسعتها التي أشرفت على الانتهاء: أين الخلل؟ ومن المسؤول عنه؟ وكيف يمكن علاجه؟.