الرأي

ويل لهم

محمد العقلا
تعد مكة المكرمة والمدينة المنورة البلدتين الوحيدتين اللتين ‏ورد فيهما النهي عن الإلحاد والإحداث والظلم والاعتداء على أهلهما وزوارهما ‏الآمنين بنصوص الكتاب والسنة، حيث وصف المولى جلت قدرته مكة المكرمة بأنها البلد الأمين، قال تعالى ‏على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: «‏واجعل هذا البلد آمنا»، ‏وقال تعالى: «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم»، ‏وقال عليه الصلاة والسلام «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة». و‏مع هذه الأدلة القطعية على حرمة مكة المكرمة والمدينة المنورة فوجئ الجميع بأمر غير مسبوق وغير متوقع وغير مقبول على الإطلاق، وذلك بقيام أحد الهالكين المعتنقين لفكر الدواعش بتفجير نفسه بالقرب من مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام وفي شهر فضيل، وعشر مباركة، وليلة مباركة، ‏ونجم عن هذا العمل الإجرامي الآثم استشهاد مجموعة من رجال الأمن وحماة الوطن الذين ضحوا بأرواحهم من أجل سلامة المصلين في رحاب المسجد النبوي الشريف، ‏وعندما وقع التفجير كان جميع المصلين يتصورون أن هذا الصوت ناتج عن دوي المدافع إيذانا بدخول العيد، ‏ولم يتصوروا على الإطلاق أن ما حدث كان عملا إجراميا قام بتنفيذه أحد ‏الأشقياء المجرمين الذي لم يراع حرمة المكان والزمان، وروع الآمنين العابدين المطمئنين، عليه من الله ما يستحق. وما قام به هو امتداد لفعل الخوارج منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وهم كما وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله «فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم ولا اليهود ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة». وهم كما ذكر الإمام الآجري رحمه الله «لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله، صلى الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا، واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، نعم، ويظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين، وقد حذرنا الله تعالى منهم، وحذرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان. والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديما وحديثا، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين. ‏وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (من أحدث فيها) أي في المدينة حدثا أو آوى محدثا، أي إن يحدث فيها فتنة بين المسلمين، سواء أدت إلى إراقة الدماء، أو إلى ما دون ذلك من العداوة والبغضاء والتشتت، فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لذا فإن من الأهمية بمكان أن ‏تتضافر الجهود وأن يتم تكثيفها ‏من قبل جميع الجهات الشرعية والإعلامية لكشف فساد منهج الخوارج وبيان شرهم وضررهم على الدين والمجتمع، وأثرهم السلبي في تشويه صورة الإسلام، لا سيما في هذا الوقت الذي تكالبت فيه قوى الشر من أعداء ‏الأمة المتربصين بديننا وعقيدتنا ومجتمعنا وعلمائنا وولاة أمرنا حفظهم الله. ‏وأختم هذا المقال بتذكير الجميع بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، القائل: «من أراد أهل هذه البلدة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء»، فكيف الأمر بمن أقدم وفجر بجوار مسجد المصطفى ‏عليه الصلاة والسلام وقتل حماة الوطن وروع الآمنين. aloqla.m@makkahnp.com