الرأي

أنقذوا خطبة الجمعة

محمد أحمد بابا
في كل مرة أصلي فيها الجمعة بأحد مساجدنا المحلية أو الإقليمية العربية أحزن كثيرا من عدم قدرتي على الامتثال التام لتوجيه الدين الحنيف لنا بالإنصات التام للخطيب والخشوع وأنا أستمع لما يقال ويلقى. ومصدر حزني هذا أن جمعا من إخواننا خطباء الجمعة ربما استهانوا بهذه الشعيرة العظيمة وهذا المنبر الاستثنائي الأسبوعي، فلم يأخذوا هذه المهمة بعين اعتبار الإعداد والإتقان والحرفية والذكاء المطلوب. أجد من الخطب الغائص في معاجم التاريخ يتحدث بصوت من العصر العباسي أو الأموي بل وحتى الراشد في منهجية خطاب تحتاج ترجمة معان وتفكيك نصوص، وأجد من المقال قصا ولصقا دون مراعاة تناسق ولا ترتيب، في حشو استدلال وسرد مقولات، وأجد فيما أسمع ما يدعو للملل بل والامتعاض وربما النوم والشرود الذهني. كأن الإخوة الخطباء أوهمونا بأن تمرير وقت الخطبة المنصوص عليه ركنا للجمعة يتم بأي حال وعلى أية حال، وما علينا سوى السكوت والرضا، ثم صلاة ركعتين والانصراف وقد أدينا الواجب. كيف يكون هذا والأمة المسلمة في حاجة ماسة لاختصار في فائدة؟ وحصافة في سلام قول ومحبة حديث، وتلطف معنى مع جاذبية إلقاء، ومناسبة موضوعات في مجاراة احتياجات. الناس لا تحتاج لمن يضعها في مأزق «تحصيل الحاصل» ولا «تعريف المعرف» بل هي في حاجة لخطيب جمعة يتعامل مع خطبته كأي اجتماع هام مصيري يديره أو يلقى كلمته في عمله أو شؤون ثقافته أو حياته المصيرية. خطبة الجمعة دين، والدين هام الممارسة، عظيم الاستحقاق أن يؤدى كما يفيد ويؤتي أكله ويرتقي بالمجتمعات والأفراد، في مشاركة تواصل كلامي، بعيدا عن مجاجة التنفير، وسماجة الحديث المهترئ. خطبة الجمعة إن لم تجد خطيبا آمن بأن العبرة بقصرها وطول صلاته، وأن الناتج بموضوع حياتي ذي مردود أهم من وصف الجنة أو النار، وأن جمعة بخطبة بذل فيها جهد الإعداد والتجهيز أكثر أجرا من اعتياديات القول، فقل بغير ذلك على خطبة الجمعة السلام. الإحصائيات تثبت كثيرا ممن صلوا الجمعة وهم لم يتذكروا موضوع الخطبة عند أقرب بقالة يأخذون منها خبزا بعد الصلاة، والمسح الميداني يثبت بأن حضور كثير لصلاة الجمعة يكون فقط عند إقامة الصلاة. كل هذه الآثار أظنها بسبب كبير من خطباء الجمعة الذين مكثوا عشرات السنين يعتلون المنابر «بدفاتر أبوأربعين» سطروا فيها خطبا قبل عشرات السنين فأصبحوا «كسلا» يلوكونها في كل وقت وكل حين. إنقاذ خطبة الجمعة بنظام محكم معتنى به من قبل مسؤولي المساجد أظنه من أهم تحديات العصر في مواجهة ضلال وانحراف تصورات. baba.m@makkahnp.com