التفاحة الرابعة
الاثنين / 2 / ربيع الأول / 1442 هـ - 19:34 - الاثنين 19 أكتوبر 2020 19:34
كما أن هناك سلطة رابعة راق للمنظرين أن يلقبوا بها الصحافة، مستشعرين تأثريها على القرار السياسي والتوجه الاجتماعي والفكر الديني، فإن العالم اليوم بحاجة إلى استشراف تفاحة رابعة بعد موت صاحب التفاحة الثالثة المقضومة «جوبز»، في حين لا يزال الناس يتذكرون حسب زعمهم تفاحة «آدم» الأولى وتفاحة «أنشتاين» الثانية.
اليوم بعد اكتساح الجيل رقم 12 من جهاز أبل الاستثنائي (آيفون) نتذكر التفاح بجميع أنواعه ولا نجد سوى وجه (ستيف) الماثل في الجزء المستخدم من تفاحته الثالثة التي على أيقونة شعار اختراعه الرهيب.
هذه التفاحات الثلاث إن سلمنا بتسميتها وقصصها غيرت وجه العالم لناظريه، وغيرت منظورات كثيرة للإنسان بعد حدوث تبعاتها، فكما يزعمون بأن تفاحة أخرجت الإنسان من جنة وراحة إلى أرض وشقاء، وأخرى سقطت للأسفل فنظر مراقبها للأعلى، وثالثة قضمها مصممها ليخترع بجزء من تفكير الإنسانية ما أصبح ضروري الاستخدام، فإن هذه الثلاثية تحدوني للقول بأن في الأمر سببا.
فمن الممكن أن ينفرد «الخطأ» بالهداية للخير، وتنفرد «المراقبة» بالهداية لحق، وينفرد «الاستغلال» بالهداية للإبداع، وهذه الأشياء الثلاثة هي ما يميز تفاحاتنا التاريخية التي يتغنى بها الناس، فهل من سبيل إذن لتفاحة رابعة تهدينا إلى خلاص من مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية، تكون أكثر نجاعة وأبلغ نضجا وأجمل شكلا؟ أم إن بين كل تفاحة وأخرى شعوبا تموت ودماء تراق، فلا طمع لنا بتفاح قريب إلا ما تبقى من تفاحة «جوبز» نتقاسمه حتى يحين أوان؟
حين لا ترعى العقول رعاية حانية كما يفعل زارعو التفاح لا يمكن أن يصل أبناؤنا وشبابنا إلى ما وصل إليه «جوبز» ولا قريبا منه، وحين لا تمد الأفواه الصغيرة لاقتطاع أعلى كل تفاحة بسبب منع الأوصياء أكل الفقراء لما يشتهون لن يكون فينا من يجرؤ على المغامرة ويقدم على التجربة، وحين لا يكون بمقدورنا - رغم استطاعتنا - الحفاظ على بقايا ما نستطعمه لوقت لا نجد فيه ما نأكله فلن يفهم أطفالنا بأن المستقبل أكثر إشراقا بصنع أفكارهم، وأكثر بريقا بتحقيق أحلامهم.
إن «جوبز» الذي حول نظرية جهاز الكمبيوتر المكتبي الذي يشترك فيه كثيرون إلى أسلوب عملي في الامتلاك الشخصي وأطلق عليه سلسلة «آي» لتعني في لغتهم الكثير.
هو بذلك اقتحم عالم من كان قبله من المخترعين بعقل الراغب في الابتكار، وشعور الناظر للبعيد ودعم الحريصين على التميز، فاجتمعت له عوامل النجاح فنجح، وزرع تفاحته الشهيرة في أذهان الصغار قبل الكبار، ولكنه للأسف لم يعرف أن عالمنا العربي تخلى عن زراعة التفاح لإفساح المجال لمخازن المستورد ومستودعات المجلوب.
يزعم البعض بأن ثورة المعلومات والتكنولوجيا المصاحبة لما يسمى زيفا (الربيع العربي) كفيلة بأن تظهر للعالم «تفاحة رابعة» يرى فيها الغرب بالذات نموذجا يحتذى ومثالا يقتدى به، وقد يشجعهم على هذا القول دراسة أكاديمية «نوبل» السويدية منح جائزة السلام لنشطاء شباب عرب في هرطقات حقوق إنسان ونحو ذاك، ولكن كيف نقتنع بأن هذه تفاحتنا التي نفتخر بها ونحن نراها لم تصمد شهورا أمام الفاحصين، بل ولم تستطع أن تبقى ذات نضارة وإغراء أكثر من لحظات بعد إسقاط النظام - كما يزعمون - ثم هي الفوضى، ثم يكتشف المخدوعون بأنه الضلال المبين والخراب البين ومخطط المردة والشياطين والكارهين.
رغم ما لدينا في العالم العربي من موارد طبيعية وعقول مهاجرة وأموال يستثمرها غيرنا، ورغم ما نتغنى به في كل محفل من صروح علمية بحثية، إلا أننا لم نعثر بعد على تفاحتنا العربية الخاصة بنا، ولم نستطع بعد أن نتخير من تفاحات عالمنا الثلاث ما نبني عليه بذور ما نصبو إليه.
لست متشائما لكن زراعة التفاح المنافس يحتاج إيمانا بأن الخطأ يقود للصواب والمراقبة تقود للمعرفة والاستغلال يقود لإنتاج أفضل.
ننتظر طويلا لتكتمل التجهيزات لمختبرات ومعامل ذات مقاييس عالمية، ولا ننتظر قليلا طفلا يحاول أن يفكر في نتيجة جمع عددين، وننتظر سنوات لحين اكتمال البنية التحتية لأرض سنقيم عليها ناطحات سحاب عالمية، ولا ننتظر قليلا شابا يطرح فكرة بسيطة تحل مشكلات عظيمة، وننتظر طويلا أيضا لتصعد منتخبات بلادنا لكأس العالم، ولا ننتظر قليلا عجوزا تخبرنا عن التاريخ، وانتظار التفاح أصعب من أكله.
تغيير وجه العالم يتطلب منا تحديد وجه العالم حاليا، وأين نحن من ذلك الوجه دون مساحيق ولا إضافات، وهذا بالضبط ما تسنى للتفاحات الثلاث التي غيرت وجه العالم في حينها، ومن ثم الالتفات للحافز الذي من أجله صارت التفاحة فاتحة أمل في معرفة جديدة، وهذا ما أثبته الخطأ والمراقبة والاستغلال، فأين رابعة التفاحات إن لم تكمن في «الانتظار» ولا شيء غير الانتظار؟
albabamohamad@
اليوم بعد اكتساح الجيل رقم 12 من جهاز أبل الاستثنائي (آيفون) نتذكر التفاح بجميع أنواعه ولا نجد سوى وجه (ستيف) الماثل في الجزء المستخدم من تفاحته الثالثة التي على أيقونة شعار اختراعه الرهيب.
هذه التفاحات الثلاث إن سلمنا بتسميتها وقصصها غيرت وجه العالم لناظريه، وغيرت منظورات كثيرة للإنسان بعد حدوث تبعاتها، فكما يزعمون بأن تفاحة أخرجت الإنسان من جنة وراحة إلى أرض وشقاء، وأخرى سقطت للأسفل فنظر مراقبها للأعلى، وثالثة قضمها مصممها ليخترع بجزء من تفكير الإنسانية ما أصبح ضروري الاستخدام، فإن هذه الثلاثية تحدوني للقول بأن في الأمر سببا.
فمن الممكن أن ينفرد «الخطأ» بالهداية للخير، وتنفرد «المراقبة» بالهداية لحق، وينفرد «الاستغلال» بالهداية للإبداع، وهذه الأشياء الثلاثة هي ما يميز تفاحاتنا التاريخية التي يتغنى بها الناس، فهل من سبيل إذن لتفاحة رابعة تهدينا إلى خلاص من مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية، تكون أكثر نجاعة وأبلغ نضجا وأجمل شكلا؟ أم إن بين كل تفاحة وأخرى شعوبا تموت ودماء تراق، فلا طمع لنا بتفاح قريب إلا ما تبقى من تفاحة «جوبز» نتقاسمه حتى يحين أوان؟
حين لا ترعى العقول رعاية حانية كما يفعل زارعو التفاح لا يمكن أن يصل أبناؤنا وشبابنا إلى ما وصل إليه «جوبز» ولا قريبا منه، وحين لا تمد الأفواه الصغيرة لاقتطاع أعلى كل تفاحة بسبب منع الأوصياء أكل الفقراء لما يشتهون لن يكون فينا من يجرؤ على المغامرة ويقدم على التجربة، وحين لا يكون بمقدورنا - رغم استطاعتنا - الحفاظ على بقايا ما نستطعمه لوقت لا نجد فيه ما نأكله فلن يفهم أطفالنا بأن المستقبل أكثر إشراقا بصنع أفكارهم، وأكثر بريقا بتحقيق أحلامهم.
إن «جوبز» الذي حول نظرية جهاز الكمبيوتر المكتبي الذي يشترك فيه كثيرون إلى أسلوب عملي في الامتلاك الشخصي وأطلق عليه سلسلة «آي» لتعني في لغتهم الكثير.
هو بذلك اقتحم عالم من كان قبله من المخترعين بعقل الراغب في الابتكار، وشعور الناظر للبعيد ودعم الحريصين على التميز، فاجتمعت له عوامل النجاح فنجح، وزرع تفاحته الشهيرة في أذهان الصغار قبل الكبار، ولكنه للأسف لم يعرف أن عالمنا العربي تخلى عن زراعة التفاح لإفساح المجال لمخازن المستورد ومستودعات المجلوب.
يزعم البعض بأن ثورة المعلومات والتكنولوجيا المصاحبة لما يسمى زيفا (الربيع العربي) كفيلة بأن تظهر للعالم «تفاحة رابعة» يرى فيها الغرب بالذات نموذجا يحتذى ومثالا يقتدى به، وقد يشجعهم على هذا القول دراسة أكاديمية «نوبل» السويدية منح جائزة السلام لنشطاء شباب عرب في هرطقات حقوق إنسان ونحو ذاك، ولكن كيف نقتنع بأن هذه تفاحتنا التي نفتخر بها ونحن نراها لم تصمد شهورا أمام الفاحصين، بل ولم تستطع أن تبقى ذات نضارة وإغراء أكثر من لحظات بعد إسقاط النظام - كما يزعمون - ثم هي الفوضى، ثم يكتشف المخدوعون بأنه الضلال المبين والخراب البين ومخطط المردة والشياطين والكارهين.
رغم ما لدينا في العالم العربي من موارد طبيعية وعقول مهاجرة وأموال يستثمرها غيرنا، ورغم ما نتغنى به في كل محفل من صروح علمية بحثية، إلا أننا لم نعثر بعد على تفاحتنا العربية الخاصة بنا، ولم نستطع بعد أن نتخير من تفاحات عالمنا الثلاث ما نبني عليه بذور ما نصبو إليه.
لست متشائما لكن زراعة التفاح المنافس يحتاج إيمانا بأن الخطأ يقود للصواب والمراقبة تقود للمعرفة والاستغلال يقود لإنتاج أفضل.
ننتظر طويلا لتكتمل التجهيزات لمختبرات ومعامل ذات مقاييس عالمية، ولا ننتظر قليلا طفلا يحاول أن يفكر في نتيجة جمع عددين، وننتظر سنوات لحين اكتمال البنية التحتية لأرض سنقيم عليها ناطحات سحاب عالمية، ولا ننتظر قليلا شابا يطرح فكرة بسيطة تحل مشكلات عظيمة، وننتظر طويلا أيضا لتصعد منتخبات بلادنا لكأس العالم، ولا ننتظر قليلا عجوزا تخبرنا عن التاريخ، وانتظار التفاح أصعب من أكله.
تغيير وجه العالم يتطلب منا تحديد وجه العالم حاليا، وأين نحن من ذلك الوجه دون مساحيق ولا إضافات، وهذا بالضبط ما تسنى للتفاحات الثلاث التي غيرت وجه العالم في حينها، ومن ثم الالتفات للحافز الذي من أجله صارت التفاحة فاتحة أمل في معرفة جديدة، وهذا ما أثبته الخطأ والمراقبة والاستغلال، فأين رابعة التفاحات إن لم تكمن في «الانتظار» ولا شيء غير الانتظار؟
albabamohamad@