الرأي

أسطورة فرخ البط القبيح

شاهر النهاري
من منا لم يسمع أو يقرأ، أو يشاهد فيلما كرتونيا يحكي أصل أو تفرعات تلك الأسطورة القديمة، التي أبدعت هوليوود الكرتونية في رسمها بعدة تصورات وألوان. ولعل كثيرا منا نظر لها من جانب التسلية والدعابة، وأن البعض قد نظر لها من جانب روحاني أعمق، يجعلهم يحزنون ويحتارون، ويتساءلون، ويتعاطفون ويتفاعلون إيجابا مع الفرخ القبيح، وربما ينطلقون في نهاية الحكاية بنوع من السعادة والانعتاق، والإحساس بمعاني النصر الشخصي، وبمجرد حصول هذا الفرخ الحائر المختلف في النهاية على حضن وشخصية وأمل، وتميز، بعد عمر من الضياع، والانزواء والحسرة جراء شعوره بالاختلاف الشديد عمن هم حوله، من كان يأمل أن يقبلوه بكل اختلافه وعلاته، وأن يكونوا أقرب المخلوقات إلى نفسه. هي أسطورة قديمة تناقلتها الأجيال، وقد قام الكاتب والشاعر الدنماركي (هانس كريستيان أندرسن)، بتدوينها لأول مرة 1843م، في قصة (فرخ البط القبيح). ومن يتمعن في عمق الأسطورة يتجسد له روح هذا الفرخ البريء الهائم، الذي وجد نفسه منذ نعومة زغبه مختلف عن طبيعة مجتمعه دونما ذنب له، وبالطبع فلم يكن هو أول من لاحظ ذلك الاختلاف، فكان من حوله ينظرون له شزرا، وقرفا، وكم انكمش ريشهم، ونهروه لينظر في صورته المرتسمة على سطح الماء، فلعله يدرك أنه ليس منهم مطلقا، حتى ولو ضم عشهم بيضته، المختلفة عن بيضاتهم، والأكثر تعسرا على الفقس، وحتى لو احتضنه نفس الحضن، الذي تقلب مع الهوى، ولم يعد يتقبله بعد الفقس، فكان الناتج العاطفي الاجتماعي مختلف بالمطلق. حيرة ودموع الفرخ المتعوس لم تتوقف عن البحث، والمقارنة، والنظر للآفاق، ومحاولة تحديد أسباب الخلل والتوصل لعلاجه. جناحاه الصغيران حاولا نفض وإزالة اللون، الذي كان عصيا على التبديل، روحه الطرية، عانت من شعور النبذ أينما يحل، ونظرات الغير الموجهة نحوه، كانت تزيد من عمق الفجوة بينه وبينهم، فما كان منه إلا اعتزال مجتمعه، فلا يعود لهم إلا منقذا بدافع وشعور المسؤولية عندما هجم عليهم النسر الجارح. وتحكي أسطورته عودته للعزلة، حتى تقوم امرأة عجوز باستضافته في مزرعتها، وإغداق الدلال عليه؛ مما يجعل كلب وقط المزرعة يتحزبان بالغيرة والحيل، حتى يتم طرده. ويرحل للمجهول هائما، ولكنه وبين مدامعه يلمح بريق الحرية صدفة، في رفرفة سرب مهاجر من طيور البجع، يشابهه تماما، فيلتحق بهم جذلا، حينما يجد ذاته بين أجنحة ومناقير تشبهه في كل شيء، ويختتم بالسعادة الأبدية قصته. معاني الأسطورة تحرق أجوافنا، فمن منا لا يمتلك عنصر اختلاف يؤرقه، مهما حاول إثبات أنه غير مهتم بفوارقه، أو حاول طمرها، وادعاء عدم وجودها، وعدم وجود تأثيرها، الذي يحرقه حسرة كلما تقابل مع فرقائه، وتزداد وحدته، ويشعل ضرام فراشه بزفراته كلما حاول الهرب فوق أجنحة النوم العصية. عن ماذا كان يبحث الفرخ المختلف، بل عما يبحث الشخص المختلف منا؟. ما الفارق بين أن تكون بطة بيضاء، وبين أن تكون بجعة رمادية. هل المسألة تكوينية، أم شكلية، أم معنوية، أم أنها أكبر وأبعد وأعمق من ذلك بكثير، بروحانيتها، وجيناتها، ومفاهيمها، المتصلة، والمنفصلة، والتي تحكم على ذرات الكينونة بالأصالة، من عدمها؟.