الرأي

هي النفوس وليست الأشياء

عبدالله محمد الشهراني
نتصور في بعض الأحيان أن امتلاكنا للأشياء سوف يزيد من سعادتنا وينعكس إيجابا على صفاتنا ومظهرنا على حد سواء.

هذا التصور أحدث مفارقات تستحق التأمل والدراسة، والسبب أن نتائج هذه المفارقات تحولت من صفات محصورة في بعض الأفراد إلى ظواهر مجتمعية عالمية. حتى أكون أكثر وضوحا في الطرح وتبسيطا كذلك، سأنتقل إلى الأمثلة مباشرة.

هناك اهتمام بأنواع الساعات ورغبة في امتلاك النادر منها أو التركيز على ماركاتها العالمية الشهيرة، ومؤخرا أيضا ظهر الاهتمام بالساعات «الذكية» المرتبطة بالجوال وتطبيقات التواصل المختلفة، التي تعد ثورة في صناعة ومفهوم الساعات، وأصبحنا نتابع الإصدارات الحديثة منها ونخطط لشرائها فور توفرها في الأسواق. لكن السؤال: هل جعلنا امتلاك الساعات السويسرية الفخمة أو الساعات الذكية نستشعر قيمة الوقت؟ وهل ساهمت تلك الساعات في تشجيعنا على استغلال أوقاتنا بالشكل الأمثل؟

في بعض البيوت الحديثة ظهرت مؤخرا تصاميم جميلة لغرف مستقلة للملابس، تحتوي على خزائن ناعمة وأرفف رشيقة يمكنها استيعاب الملابس والأحذية بشكل سهل، وعرضها بصورة جميلة تساعد على الوصول إليها بيسر وسرعة، رغم اكتظاظها بما تحويه من قمصان وفساتين وثياب وبنطلونات وأحذية خاصة بالرياضة أو السهرة، وعادة ما تحتوي الواحدة من تلك الغرف على مرآة كبيرة ارتفاعها متران بعرض 80 سم. السؤال هنا: كم مرة وقف صاحب هذه الغرفة (ذكرا كان أم أنثى) في منتصفها حائرا ومتسائلا: ماذا ألبس؟ كم مدة (التتنيح) التي قضاها أمام تلك المرآة الكبيرة؟ والسؤال الأهم: هل أحدث امتلاكنا لكل هذه الكميات من الملابس قناعة حقيقية بالاكتفاء أم أننا ما زلنا نعتقد أننا في حاجة إلى التسوق أكثر؟

نعمة الأمن في الأوطان أمر مهم، بل إن الأمن هو المطلب الأول للإنسان، ومع مرور السنين يقوى الأمن ويتطور على مستوى الدول والأفراد، فأغلب الدول لا تتهاون في موضوع الأمن وتط

وع كل الإمكانات لضمان أمن وسلامة كل من يعيش على أرضها، حتى الأفراد أصبحوا مؤخرا مهتمين بتركيب الكاميرات المرتبطة بشبكة الانترنت واستخدام الأبواب الذكية، وما إلى ذلك. هذا المستوى العالي من وسائل التأمين لمَ لم ينعكس على راحة البال والطمأنينة؟

عند بناء أو استئجار منزل جديد، تكون مجالس الضيوف حاضرة وبقوة في ذهن صاحب المنزل، فهي واجهة البيت، غرف مستقلة بكل منافعها منفصلة - مدخلا وموقعا - عن باقي أجزاء المنز

ل، والبعض منا لم يكتف بأن يجعلها غرفتين، بل أضاف إليها غرفة ثالثة خاصة بطعام الضيوف (مقلط). هذه الغرف تحتوي في الغالب على أثاث فاخر ذي تكلفة مالية عالية، والسؤال مرة أخرى: هل ساهمت هذه المجالس وأثاثها الفاخر في زيادة عدد الضيوف والمرات التي يحضرون فيها؟ هل جعلتنا نتواصل أكثر؟ والسؤال الكبير: كيف استطاعت غرف صغيرة في أزمنة سابقة أن تحتضن ضيوفا نصف عددهم لا يمكن أن تحتويه مجالسنا الآن؟!

إن الاجتهاد في إصلاح النفس هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السعادة، فالسعادة ليست بامتلاك الأشياء، ولا باكتنازها.

@ALSHAHRANI_1400