السطوة الجديدة في وسائل التواصل الاجتماعي
الخميس / 14 / صفر / 1442 هـ - 18:17 - الخميس 1 أكتوبر 2020 18:17
عندما آخذ لمحة سريعة على بعض المكتوبات في وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك التي تخرج عن سياقات الأدب والأخلاق في الردود على من لديهم رأي مختلف من خلال توجيه سهام النقد الجارح أو المسيء، قد أتساءل: لماذا كل هذه السطوة الجديدة التي قد يتصور صاحبها أنها من صور الشجاعة أو النقد الجريء، ولكنها خرجت تماما عن هذه الشجاعة ومجرد الرأي المختلف، وانتقلت إلى ضفة التجريح والتشكيك والإساءة العرقية أو الشخصية؟
وقد يجعلنا ذلك نرفع سؤالا قد تكون إجاباته لا بد له أن تكون من خلال الدراسات الاستقصائية والعلمية: هل وسائط التواصل الاجتماعي ساعدت على هذه السطوة الجديدة الغريبة، أم إن هذه التصرفات موجودة في واقعنا بنفس الوتيرة التي عليها في وسائل التواصل الاجتماعي؟
في أحد الحوارات اللطيفة مع أحد الأصدقاء وكنا نناقش هذه الفكرة تحديدا، أن هناك جرأة في الكتابة الالكترونية في المواقع المفتوحة كتويتر والفيس بوك، وطرحنا مثالا أن بعض الحسابات التي قد يكون لديها الآلاف من المتابعات، وكثيرا ما تكتب شيئا لاذعا خارجا عن سياق الأدب وعندما يكون في مجلس حقيقي مباشر وليس من خلال الوسائط الالكترونية، لنفترض مثلا يضم عشرة أشخاص تجده مهذبا وليس بتلك السطوة غير المنضبطة.
طبعا ناقشنا هذه الفكرة وتوقعات أسبابها ونتائجها كنوع من النقاش الودي. وفي الحقيقة أجد أن هذا الموضوع بحاجة إلى دراسات استقصائية ونفسية بشكل علمي لنستطيع من خلالها الوقوف على مخرجات دقيقة وليست كمخرجات نقاشاتنا الودية أنا وصديقي العزيز.
أحد مظاهر هذه الإشكالية في وسائل التواصل الاجتماعي أن الجميع يستطيع أن يقول ما يشاء - ولا ضير في ذلك - ولكن ليس الجميع على قدرة جيدة في معرفة الحدود التي تقف عندها حريتهم الشخصية في القول.
وقد تتضخم هذه الحرية غير المنضبطة بتجييش الآخرين تجاه الأشخاص من خلال الهاشتاقات وغيرها والانتقال بهم من حيز أنهم أشخاص أصحاب رأي مختلف أيا كانت حدة الاختلاف إلى أشخاص أصابتهم لوثة التخوين أو التقليل العرقي في شكل عنصري مقيت، سواء كان ذلك بوعي أو غير ذلك.
ومما يزيد التعقيد في هذه المسألة أن هذه السطوة الجديدة لدى أصحابها يتم استخدامها وكأنها أداة قانونية للتطهير المجتمعي، وقد استحلوا بذلك أدوار الجهات الحكومية المسؤولة في ذلك رغم وجود قنوات اتصال رسمية يمكن من خلالها يتم التصحيح، ولكن أصبح الفضاء الالكتروني هو الملجأ الأول لمثل هذه التصرفات.
وقد أتفهم تلك الروح المندفعة في تصحيح الأمور لديهم كما يعتقدون، ولكن لا يقبل العقل والمنطق أن يكون الرأي المختلف هو بوابة العبور لتجريح صاحبه ولو كانت هذه الاندفاعات أو الهاشتاقات تجاه الأفكار والآراء التي يقولها أصحابها لقلنا عنها إنها حراك إيجابي في الرأي، ولكنها سرعان ما تكون بوابة للتقليل من الأشخاص، وما هكذا تورد الإبل يا سعد.
وهذا الخلط في عدم القدرة على التمييز بين مفهوم حرية التعبير والتعدي على حقوق الآخرين وحرياتهم، والذي يظهر في شكل أداة التطهير المجتمعي وتراكمه المستمر سيساهم في تقسيم وتصنيف الناس من خلال مبدأ إذا لم تتوافق معي في الرأي فأنت ضدي، ويصبح هذه المبدأ البسيط المتهافت من أدوات التقسيم في المجتمع الذي كانت ولا زالت أجمل خصائصه تدور حول التنوع المجتمعي والاختلاف المعرفي.
@fahdabdullahz