الرأي

الرابح الأعظم من التطبيع

شاهر النهاري
إسرائيل منذ حرب الثمانية والأربعين، وهي تسعى لتحقيق أحلامها بسلام في محيطها العربي.

وبعد وعود جمال عبد الناصر برميها في البحر، دخلت بقوتها إلى عمق أراضي دول المواجهة مصر والأردن ولبنان وسوريا، وحازت أراضيهم، بما لم يكن في حسبانها.

وفي حرب أكتوبر استردت مصر أراضيها المحتلة، مما جعل أمريكا تعود باتفاق كامب ديفيد، بسلام دبلوماسي ورقي لم يتحقق بين شعب مصر والإسرائيليين.

وتبعتها الأردن باتفاق حكومي، مع عداء شعبي لإسرائيل، أما الجولان فظلت محتلة، حتى استغلت أمريكا الضعف والتشتت السوري، وقررت ضمه ونقل سفارتها للقدس دون أي معاهدة سلام، ولا من يحزنون.

دول المواجهة خسرت الكثير بهذه الحيل الأمريكية الإسرائيلية لتحقيق السلام، والذي ثبت أنها دوما معوجة لصالح إسرائيل، حيث يجري تقليص وتشذيب ما يتم الاتفاق عليه حتى من المساعدات السنوية الأمريكية، وتجميد التبادلات التجارية، مثل بيع الغاز والمنتوجات الأخرى لإسرائيل بأسعار متحجرة عند زمن التوقيع، وبتجديد تلقائي، لا يناسب أسعار العصر الحالي، ولصالح إسرائيل.

دول عربية عديدة تحايلت على كلمة تطبيع، وسمتها بمسميات أخرى، كانت أولاها قطر، قبل أن تعود عن ذلك بكذبة خفاء كبرى فضحتها فيها إسرائيل، ثم موريتانيا والمغرب، وعُمان بأشكال خفية، حتى وصلنا إلى مرحلة وضوح الخطوة الإماراتية والبحرينية لتوقيع اتفاقيتي سلام مع العدو الإسرائيلي، وبشروط غير معلنة! وكثير من الدول العربية أيدت هذا الاتفاق، ودللت على أنها ستنضم لركب المطبعين في الزمن القريب القادم.

لا أحد يمكنه ثني عزم أي دولة عربية أو إسلامية عن التطبيع مع إسرائيل طالما أنها ستستفيد واقعا من ذلك، وفي الوقت نفسه يجب عدم تصوير ذلك بأنه اتفاق من أجل حل القضية الفلسطينية، فهذا ما ترفضه سلطتاها المتخاصمتان، المطبعتان في الخفاء، على الرغم من مرور سبعة عقود على احتلال إسرائيل لأراضيهما، وسط نكبات محيط محترق بالإرهاب والفوضى والهيمنة الدولية والصراع الإقليمي والضغوطات.

دول المواجهة خسرت الكثير بمسارعتها في الاتفاقات، دون وعي ودراسة، وتأكيد وضوح وجودة وضمان الاشتراطات، التي من المفترض أن تصب في صالحها، برؤية مستقبلية قابلة للتغير مع تقدم الزمن واختلاف المعطيات، وذلك للمحافظة على ديمومة (الجزرة)، التي توعد بها كلاميا من أمريكا قبل اتفاقات السلام مع إسرائيل، ثم لا تلبث أن تنكث، وتتناسى، وتحيد وتظلم.

الفلسطينيون ضيعوا الكثير، وتركوا فرص السلام تمر سدى، رغم أن الضيق والعنت يزدادان على شعبهم، وأمريكا تخص ابنتها المدللة بالمباركة والعناية والحرص في كل الأحوال.

القيادة الفلسطينية انقسمت بين حماس وسلطة للضفة، ومروق عدة فصائل تتبع إما لإيران أو لإخوان تركيا (أول المطبعين).

ظروف الشتات تزداد سوءا على من تبقى من شعب فلسطين الذي ظلمته قيادته، بالعيش في ضنك سجن كبير، واستجداء فرص العمل المهين عند مصانع وشركات تل أبيب، مما شجع هجرة العقول والأيادي الفلسطينية لشتى أصقاع العالم، والسلطة تظل سعيدة بنيل ما يصلها من أموال عربية ودولية، وكأنها تتمنى لهذا الاحتلال ألا يزول.

السلام العادل أمر محبذ إنسانيا، ولكن بشروط حفظ حقوق شعوب الطرفين بالتساوي، ووجود قدرة الدولة العربية على العودة عنه، إذا ما ثبت أنه مقلب صهيوني يسعى لقلب موازين الشرق، وتشتيت العرب.

alnahariShaher@