الرأي

التعليم للجميع

آلاء لبني
إحدى أهم المهارات التي تميز القطاعات والجهات والأفراد التأقلم والاستجابة للمتغيرات والأزمات وفق حالتها أو شدتها، وهذا تحديدا ما تفعله دول العالم تجاه (كوفيد-19) وتأثير انعكاسات كورونا على القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وتختلف توجهات الدول وإجراءاتها، فمنها عاودت فتح الأنشطة كالرجوع إلى المدارس مع بعض الضوابط، وأخرى اختارت الدراسة عن بعد ..إلخ.

سأبدأ باقتباس وجهة نظر من اليونيسكو في التعليم عن بعد وآثاره السلبية، منها: توقف التعلم المباشر، تحمل الأسر أعباء مالية جديدة، جاهزية البنى التحتية، جودة خدمة الانترنت..إلخ، إضافة إلى ما يرد بالنص على موقعها (ويسفر الوضع عن مشاكل جادة في ظل استمرار أوجه عدم المساواة المتعلقة بالتعلم عن بعد، والتي تطال الفئات السكانية الضعيفة بوجه خاص).

محليا أصبح خيار التعليم عن بعد واقعا منذ رجوع العملية التعليمية، وأنا أترقب ما يكتبه الكتاب والمختصون وتبثه وزارة التعليم، كتصريح وزير التعليم للإعلاميين (إن الإجراءات التي تم الاطلاع عليها في هذا اللقاء ليست من أجل مرحلة مؤقتة مرتبطة بأزمة كورونا، إنما تأتي بوصفها عملا دائما وهو الانتقال إلى مرحلة التعليم الالكتروني، والتعليم عن بعد، حتى زوال كورونا).

هذا التصريح الذي طار به البعض ليكتب أحد الكتاب «نحن مقبلون على مرحلة الذكاء الصناعي»! لا أعرف وجه العلاقة بين التعليم عن بعد والذكاء الصناعي!

نشكر أي مجهود مقدم وفق الإجراءات الوقائية المتخذة، ولكن الوضع الحالي لا يعني الكمال، وعلى قول الشاعر «لكل شيء إذا ما تم نقصان». لمن طار مغردا متغنيا بمحاسن التعليم عن بعد، أقول إن الدراسة الواقعية لنقاط الضعف والقوة في التعليم عن بعد وتفصيلها أمر أساسي لجودة التعليم.

بصراحة دور التقييم والنقد البناء أو الدراسة المتعمقة والموضوعية مغيبة في مجمل ما يطرح أمنيات وعبارات تطرب الأذن، ومبالغة في المدح وتغزل بجمال التعليم الالكتروني أو التعليم عن بعد!

لكل أمر ولكل خيار له مميزاته وله عيوبه، هناك فرق بين أن تتقبل الأزمات والتغييرات والحلول، لكن عينك لا تغفل عن النظر إلى كل الزوايا وجوانب القصور.

لكل مستجد وقضية عوامل متشابكة وحلقات دائرية تتكامل مع بعضها، التعميم وقصر النظر على زاوية واحدة خطأ، أقول: العبرة بالخواتيم، العبرة بمخرجات التعليم ومستوى التحصيل، دون أن نغفل الفروق، فالتعليم للجميع.

التعليم للجميع بغض النظر عن المستوى الاجتماعي والمادي للأغنياء والفقراء، لمن يرتاد مدارس انترناشونال ومن يرتاد المدارس الحكومية، التعليم لمن سيجد مدرسا خصوصيا لكل المواد يشرح ويعلم ما لم يستوعبه من المواد، التعليم لمن ضاقت عليه ولا يستطيع دفع أجر المعلم الخصوصي ومن لا يجد إلا القنوات الرسمية للتعلم، التعليم لمن يسكن في قلب المدينة حيث سرعة وقوة شبكات الاتصال لا تماثل من يسكن في القرية، التعليم لمن يمتلك مهارة عالية في التركيز ولمن لديه صعوبات تعلم، التعليم لمن حواسه وقدراته كاملة، ولمن يصنف من ذوي الاحتياجات الخاصة أو التربية الفكرية.

التعامل مع الطلاب بوضع البيض في سلة واحدة أمر مجحف للمتعلم!

أؤمن أن التعليم عن بعد يفتح آفاقا جديدة لها نفع يزداد مع الأيام، كالدراسة أون لاين في بعض المجالات في التعليم العالي والدورات حتى تكتسب بعض المعرفة، بإمكانك الحصول على شهادات بالمجان أون لاين من مواقع جامعة عالمية ومواقع تابعة للأمم المتحدة.

لكن مع هذا ينبغي ألا نبالغ بامتداح التعليم عن بعد ووصفه بالحل السحري وأنه سيتحول إلى خيار مستمر وحل تقدمي سيوفر المباني والتكاليف..إلخ! كأنه ليس هناك تكاليف خاصة بالانترنت وغيره!

الدراسة عن بعد كما لها مميزات إيجابية كخوض الطلاب في استخدام التقنية وبرامج الاجتماعات تجربة ثرية وستكسبهم مهارات أخرى؛ لها عيوب عديدة أيضا، العملية التعليمية تعتمد على عدد من الحواس، فالمعلم يخاطب كل الحواس ويحاول شد الانتباه قدر المستطاع من خلال التعليم المباشر!

وفق الدراسات الحديثة تطبيق التعليم متعدد الحواس يقدم مخرجات تعليمية بمستوى تحصيل عال.

على مقاعد الدراسة تتفاوت قدرة الطلاب في الفهم والاستيعاب، وتتفاوت قدرة المعلمين على العطاء ومهاراتهم في إيصال المعلومة مع الأدوات الحديثة. هناك من يقدم الأمانة، من سيبدع في إيصال المعلومة ويبحث كل السبل لاكتساب المهارات الجديدة المتعلقة بهذه المرحلة، وآخر يدخل الحصة ليحضر الطلاب ويوجههم إلى قناة عين للاستماع إلى الشرح! وأخرى تتأخر عن الحضور للحصة بشكل يومي، بدل أن تكون قدوة في الحضور والانضباط، ينعكس سلوكها على طالباتها، وهناك من يعتمد على صوته في الشرح، وهذه مهارة ليست سهلة فأنت لو كنت تسمع برنامجا عبر الإذاعة فإن أكثر وأهم أسباب استماعك المهارات الصوتية لدى المتحدث.

لكتابة هذا المقال حضرت على عين عددا من الدروس المسجلة، بعضها في المرحلة الابتدائية، حضرت دروسا رائعة، وحضرت أخرى لم أتحمل منها ثلاث دقائق، ودروسا للتربية الفكرية مللتها من الدقيقة الأولى! ماذا عن الصعوبات التي يواجها طلاب التربية الفكرية؟ تلك الفئة التي تضعف بها القدرات ويتم الاعتماد ويستقبل المتعلم المعلومات عبر حواسه المتعددة في التعلم: البصر والسمع واللمس والشم والتذوق.

ختاما، الجميل أن نستغل أفضل ما في المحن والابتلاءات والتجارب، استمرار التعليم عن بعد في المستقبل خيار لخدمة الطلاب ذوي الظروف القاهرة وذوي الاحتياجات الخاصة كالحركية وغيرهم، ممن قد تحول ظروفهم دون الحضور، إما للمشقة أو بعد المسافة أو المرض ويعانون بصمت، وليس المقصود منع حضورهم بحجة التعليم عن بعد! وإنما لتذليل الصعوبات وتوفير تعليم جيد لهم.

التعليم أمانة في عنق الجميع.

AlaLabani_1@